إن تكرار المحافظين لعبارة «أولويتنا رضا المواطن» في كل لقاءاتهم يعكس توجهًا إيجابيًا، وكأن تعليمات صارمة قد صدرت لتكون هذه العبارة شعارًا دائمًا لهم.
ورغم كون هذا الأمر خطوة محمودة، إلا أن تحقيق رضا المواطن كهدف محوري للقيادات المحلية في جميع محافظات مصر يستوجب اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية التي تحول هذه الكلمات إلى واقع ملموس.
الواقع الحالي يظهر اهتمام المحافظين بمناطق معينة فقط داخل المحافظة، مع إهمال مناطق أخرى تعاني من نقص الخدمات والتجاهل. وقد رأينا محافظين قضوا سنوات طويلة في مناصبهم دون أن يكون لديهم إلمام شامل بجميع مناطق محافظاتهم، بسبب اقتصار زياراتهم على مواقع محددة ومُعدة مسبقًا. للأسف، هذا النمط لا يزال مستمرًا حتى الآن في العديد من المحافظات مثل القاهرة والجيزة.
لتعزيز ثقة المواطن والتأكد من صدق نوايا المسؤولين، يجب أن تكون الجولات الميدانية للمحافظين حقيقية ومفاجئة فعلًا، بعيدًا عن التحضيرات المسبقة التي تفقدها معناها.
إذ إن الترتيبات الأمنية والإعلامية التي تسبق الزيارة تجعل الجميع على علم بها قبل وقت طويل من حدوثها، ما يحوّل المفاجأة إلى مشهد شكلي.
الأمر الأهم لتحقيق رضا المواطن هو تسهيل حصوله على الخدمات المحلية بعيدًا عن الفساد والرشاوي. ورغم إنشاء مراكز تكنولوجية وإطلاق مبادرات للتحول الرقمي، إلا أن الوضع الفعلي ما زال يشهد معاناة قائمة.
لا تزال هناك طوابير طويلة، وتعقيدات إدارية ترهق المواطن بين شبابيك المكاتب وسلالم المصالح الحكومية. المنصات الإلكترونية الخدمية التابعة للوزارات والهيئات، وحتى تلك الخاصة بالشركة المصرية للاتصالات، تعد من الأسوأ في تقديم الخدمات رغم احتكارها للإنترنت الأرضي.
لإحداث تغيير حقيقي وتحقيق رضا المواطن، ينبغي على المحافظين اتخاذ زمام المبادرة بدلًا من انتظار التوجيهات العليا في كل خطوة. الدور القيادي الأعلى يتمثل في وضع الاستراتيجيات العامة، لكن التطبيق العملي والإبداع في التنفيذ يقع على عاتق المحافظين أنفسهم. يجب أن يتحملوا مسؤولية الإشراف المباشر على تنفيذ الخطط على أرض الواقع بمبادرات ذاتية تُظهر رغبة حقيقية في الإنجاز.
كما أن إشراك الخبرات المحلية والقيادات الطبيعية داخل المحافظات سيساهم بشكل كبير في تجاوز الأزمات وفهم طبيعة المكان وعادات أهله.
غياب المجالس المحلية الشعبية المنتخبة منذ أكثر من 15 عامًا يُعد أحد الأسباب الرئيسية لضعف الأداء المحلي، ومع ذلك يمكن تعويض هذا الغياب بتفعيل دور أبناء المحافظة وكفاءاتها الحقيقية.
تحقيق رضا المواطن ليس مجرد شعار للترويج الإعلامي أو لإثبات اجتهاد المسؤول أمام القيادة العليا. إنه يتطلب عملًا جادًا ومستمرًا على مدار الساعة، وقرارات حاسمة يُلمس أثرها على حياة الناس.
القضاء على الفساد، تسهيل الحصول على الخدمات، وقف فرض الرسوم العشوائية، وتوجيه اهتمام حقيقي لمعاناة المواطنين هي أمور أساسية لتحقيق هذا الهدف. عندما يشعر المواطن بالرحمة والإنصاف في القرارات والأفعال، ستتحقق حالة الرضا المنشودة بشكل طبيعي ومستدام.