منذ أكثر من قرن، ظلت فلسطين محورًا للصراعات الدولية، حيث تحولت من ضحية للانتداب البريطاني إلى هدف للهيمنة الأمريكية، التي واصلت تنفيذ مشروع الاحتلال الإسرائيلي تحت ستار «الدعم والحماية».
بينما كانت بريطانيا تُمهِّد الطريق لوعد بلفور عام 1917، تكفلت الولايات المتحدة، بعد عقود، بترسيخ الاحتلال عبر دعمها اللامحدود لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
بدأت المأساة الفلسطينية رسميًا مع الاحتلال البريطاني لفلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تحولت الأرض إلى مختبر استعماري لتنفيذ المخطط الصهيوني.
لم يكن وعد بلفور مجرد «تصريح سياسي»، بل كان وثيقة استعمارية منحت أرضًا لا تملكها بريطانيا لمن لا يستحقها، متجاهلة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
على مدى سنوات الانتداب (1920-1948)، مارست بريطانيا سياسة التسهيل للهجرة اليهودية، وسلّحت العصابات الصهيونية، مثل «الهاغاناه» و«إرغون»، التي ارتكبت مذابح بحق الفلسطينيين، مثل مجزرة دير ياسين عام 1948، في مشهد دموي سبق إعلان قيام الكيان الصهيوني.
مع انسحاب بريطانيا عام 1948، لم تخرج فلسطين من فخ الاستعمار، بل انتقلت إلى قبضة القوة الأمريكية الصاعدة.
كانت واشنطن أول دولة تعترف بإسرائيل بعد إعلانها، وسرعان ما أصبحت الداعم الرئيسي لها سياسيًا ودبلوماسيًا، مستخدمة «الفيتو» في مجلس الأمن لإجهاض أي قرارات تدين الاحتلال.
على مدار العقود، تحولت إسرائيل إلى قاعدة متقدمة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، تُمثل أداة لضرب الاستقرار الإقليمي، وإضعاف أي محاولات لاستقلال القرار العربي.
دعمت واشنطن الحروب الإسرائيلية، من عدوان 1967، الذي أسفر عن احتلال الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان، إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
تضخ الولايات المتحدة مليارات الدولارات سنويًا لدعم إسرائيل عسكريًا، ما جعلها تمتلك واحدة من أقوى الجيوش في العالم، رغم كونها كيانًا صغيرًا جغرافيًا.
هذا الدعم العسكري لم يقتصر على الأسلحة المتطورة، بل شمل أنظمة دفاعية مثل «القبة الحديدية»، التي مولتها واشنطن بالكامل.
لم تكتفِ أمريكا بذلك، بل فتحت الباب أمام التطبيع العربي مع الاحتلال، بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، ثم اتفاق أوسلو، وصولًا إلى اتفاقيات «إبراهيم» التي شرّعت التطبيع مع دول خليجية. كل ذلك ضمن مشروع أمريكي لتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا.
ورغم كل هذا الدعم الأمريكي، لم تستطع إسرائيل إنهاء المقاومة الفلسطينية، التي تتجدد مع كل جيل. من الانتفاضتين الأولى والثانية، إلى المقاومة المسلحة التي فرضت معادلات جديدة في غزة، وصولًا إلى الحراك الشعبي في الضفة الغربية.
لقد أسقطت عقود الاحتلال كل الأقنعة، فلم يعد هناك وهم «السلام»، ولم تعد المفاوضات سوى ستار لاستمرار الاحتلال.
فلسطين لم تكن يومًا قضية ثانوية، بل هي جوهر الصراع في المنطقة، ولن يكون هناك استقرار طالما استمر الاحتلال، مهما حاولت واشنطن وحلفاؤها فرض المعادلات الاستعمارية الجديدة.
باختصار.. الاستعمار يتغير، لكن فلسطين تبقى، من الانتداب البريطاني إلى الاحتلال الصهيوني برعاية أمريكية، لم تتغير الحقيقة: فلسطين ليست للبيع، وأي محاولات لتصفية قضيتها ستفشل كما فشلت كل المشاريع الاستعمارية السابقة.
كما رحل الاحتلال البريطاني، وسقطت الإمبراطوريات الاستعمارية، فإن مشروع الاحتلال الصهيوني، مهما طال أمده، محكوم عليه بالسقوط أمام صمود شعب لن يقبل إلا بحريته الكاملة.