السؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية دولة عنصرية وعن مدى التزامها بمواثيق الأمم المتحدة ليس جديداً، لكنه يعيد طرح نفسه في ظل الأفعال والقرارات المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس ترامب منذ توليه السلطة، هذه الأسئلة التي ناقشتها مع مجموعة من الشباب تستند إلى تحليلات وتاريخ يعرفه الجميع، وهو ما يستحق المناقشة المتعمقة بعيداً عن الانفعالات السطحية.
الشباب، في إجابتهم عن كون الولايات المتحدة دولة عنصرية، أشاروا إلى الأسس التاريخية لهذا الكيان القائم على التمييز العنصري بين البيض والسود منذ نشأته.
رغم كل محاولات التقدم، لا يزال هذا التمييز متجذراً في العديد من قطاعات المجتمع الأمريكي، مما يجعله أكثر من مجرد ميراث تاريخي، بل واقعاً مستمراً. كما انتقدوا النظام الاجتماعي والثقافي المعادي، أحياناً بطرق غير مباشرة، للمرأة.
فقد جاء الفشل المتكرر للنساء في الوصول إلى منصب الرئاسة ليعزز هذا الرأي، خاصة أن المرشحتين اللتين نافستا ترامب خسرنا السباق، ما جعل الصورة تبدو وكأن المرأة تأتي في المرتبة الثانية بعد الرجل في العقل الجمعي الأمريكي.
أما بشأن انتهاك ترامب لميثاق الأمم المتحدة، فإن الأدلة التي قدمها الشباب تعكس تدهوراً واضحاً في الالتزام بمعايير المنظمات الدولية. انسحابه من منظمة الصحة العالمية والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، وكذلك تصرفاته تجاه اليونسكو ووكالة الأونروا والمحكمة الجنائية الدولية، دعم هذا الانطباع بأنه لم يكن يحترم المؤسسات والآليات التي أُنشئت برغبة المجتمع الدولي لتعزيز التعاون وحماية الحقوق.
وفق المادة الخامسة من ميثاق الأمم المتحدة، يجب على الدول الأعضاء تقديم الدعم اللازم للمنظمة والامتناع عن مساندة أي طرف تعمل المنظمة ضده بعقوبات أو منع. لكن قرارات ترامب، سواء بالانسحاب أو حتى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية، كانت تخالف هذه المادة بوضوح.
هناك أيضاً ارتباط وثيق بين سياسات ترامب ودعم دول مثل إسرائيل التي تواجه اتهامات خطيرة بانتهاك حقوق الإنسان. رفضه التعاون مع مجلس حقوق الإنسان كان بسبب تغطية الأخير لهذه الانتهاكات، ما يضع الولايات المتحدة في خانة مزدوجة؛ فهي تعرقل جهود المنظمة الدولية وفي الوقت ذاته تدعم تلك التجاوزات بشكل مباشر.
ما يُقال هنا لا يتوقف فقط عند انتقادات عابرة أو مواقف سياسية. ما يفعله ترامب يطرح إشكاليات أخلاقية وقانونية خطيرة تتعلق بمكانة الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة وتفعيل المواد القانونية المتعلقة بحالات الانتهاك الواضح للمبادئ المؤسسة لهذه المنظمة. فالمادتان الخامسة والسادسة من الميثاق تعرضان سيناريوهات واضحة لإمكانية تجميد عضوية الدول المخالفة أو حتى فصلها بناءً على توصيات من مجلس الأمن والجمعية العامة.
لهذا نجد أن الحديث عن حملة دبلوماسية دولية تطالب بنقل مقر الأمم المتحدة من الولايات المتحدة إلى دولة أخرى أكثر احتراماً لميثاق المنظمة يبدو منطقياً من وجهة نظر هؤلاء الشباب. كما أن هناك ضرورة ملحة لمراجعة تركيبة مجلس الأمن وتوسيع عضويته ليشمل تمثيلاً أوسع يعكس التوازن الحقيقي للقوى العالمية، مع إلغاء حق النقض الذي يساهم بشكل كبير في عرقلة العدالة الدولية.
في النهاية، مسألة إصلاح الأمم المتحدة تبدأ بمواجهة الدول الكبرى عندما تتحول إلى كيانات تسعى إلى ترسيخ هيمنتها على حساب المبادئ العالمية التي وُضِعت لحماية البشرية وتحقيق العدالة بين الشعوب.
ربما يكون طرد الولايات المتحدة خطوة رمزية، لكنها تحمل معها رسالة بأن النظام العالمي يجب أن يتغير ليكون أكثر عدلاً وحيادية في تطبيق القوانين الدولية.