يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يدرك طبيعة الشعب المصري، ولا يعرف عمق سيكولوجية المصريين المتجذرة عبر آلاف السنين، والتي تقوم على التلاحم والوقوف صفاً واحداً خلف قيادتهم في أوقات الشدائد، بغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف على تلك القيادة. فعلى مدار التاريخ، لم تستطع أي قوة محتلة أن تفرض ثقافتها أو عاداتها على الشعب المصري، رغم تعاقب المحتلين بدءاً من الهكسوس وصولاً إلى الإنجليز. فالمصريون عند الأزمات يوحدون صفوفهم خلف من يتولى القيادة.
كان من المفترض على مستشاري ترامب أن يوضحوا له حقيقة موقف مصر الثابت في القضايا الكبرى، فمتى قالت مصر «لا»، فإنها تعنيها بكل حزم ولا مجال للتراجع عنها.
وهذا ينطبق على الموقف الشعبي والرسمي من قضية توطين سكان غزة في سيناء أو تهجيرهم إلى مناطق أخرى، وهي خطة تحدث البعض عن احتمالية تنفيذها في سوريا بعد سقوط نظام حزب البعث.
مصر، باعتبارها أحد أكثر شعوب المنطقة تقديماً للتضحيات من أجل القضية الفلسطينية، تحملت خسائر فادحة دفاعاً عنها، فقدمت أكثر من 100 ألف شهيد من زينة شبابها، فضلاً عن مئات المليارات من الدولارات التي كان يمكن أن تجعل البلاد في مصاف الدول الغنية.
واجه الشعب المصري محاولات حصار متكررة وصمد أمامها بتلاحمه مع قيادته وجيشه، رافضاً الاستجابة لمن يحاول شق الصف أو النيل من وحدة الشعب. ومنذ نكسة 1967، وقف المصريون خلف الزعيم جمال عبد الناصر، ثم دعّموا الرئيس أنور السادات خلال ثورة التصحيح عام 1971 وحرب أكتوبر المجيدة عام 1973، حينما خرج الشباب يهتفون للمعركة وضرورة استرداد الكرامة الوطنية.
وفي السنوات الأخيرة، وقف المصريون جانباً إلى جنب مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في معركته ضد الإرهاب المدعوم والممول من الخارج، لا سيما الولايات المتحدة.
وبفضل هذا التضامن، استطاعت مصر تخطي مرحلة صعبة مليئة بالتحديات، تحمل خلالها الشعب الأزمات الاقتصادية الناتجة عن وباء كورونا وموجات الغلاء المتتابعة. وعلى الرغم من هذه الأوضاع، ظل الوطن صامداً، متحدياً كل محاولات الهيمنة الخارجية سواء في السودان أو اليمن أو ليبيا والصومال.
التوتر بلغ ذروته مع الهجوم الأخير الذي شنّته حماس على الاحتلال الإسرائيلي في أكتوبر 2023 وما تبعه من خسائر اقتصادية جسيمة لمصر تجاوزت 30 مليار دولار. هذه الخسائر نتجت عن تهديد الحوثيين لخطوط الملاحة في البحر الأحمر وارتفاع تكاليف التأمين على السفن بالإضافة إلى زيادة أسعار السلع الأساسية.
ورغم هذه الظروف الصعبة، لم يتخلَّ الشعب المصري عن صبره وثباته. قد يختلف الداخل حول بعض الأولويات، لكن عندما يتعلق الأمر بمحاولة فرض أمر مرفوض على مصر تهدد سيادتها، يصبح الجميع صفاً واحداً ضد هذه الهيمنة.
ما لم يدركه ترامب والإدارة الأمريكية أن المصريين اليوم يعيشون حالة طوارئ شعبية غير معلنة؛ فالجميع يتناقش ويستعد نفسياً لأي سيناريو طارئ قد يؤدي إلى مواجهة بسبب رفض مصر للاستقواء الأمريكي أو الابتزاز السياسي.
الشعب المصري مستعد لتحمل كافة التحديات إذا استدعى الأمر ذلك. القيادة المصرية ليست وحيدة في هذه المعركة، إذ تقف خلفها إرادة 110 ملايين مصري مستعدين لتحمل أي ثمن لحماية أرضهم وكرامتهم. أما المعونات الخارجية التي تُمنح بشروط الهيمنة فلا قيمة لها في أعين المصريين، الذين يعرفون جيداً أنها كانت إحدى أدوات الفساد.