تترقب الشعوب العربية القمة العربية الطارئة بكثير من الأمل والتطلع، وسط تحديات غير مسبوقة تمر بها المنطقة، من أزمات سياسية واقتصادية، إلى صراعات تهدد استقرار دول بأكملها. ومع كل قمة، تتجدد أحلام الشعوب في قرارات حاسمة تُترجم إلى واقع ملموس، بدلاً من أن تبقى مجرد بيانات ختامية بلا أثر.
لا يمكن الحديث عن مستقبل مشرق للأمة العربية دون تحقيق الأمن والاستقرار. تعيش المنطقة اضطرابات متلاحقة، من القضية الفلسطينية التي تتصدر المشهد، إلى الأزمات في سوريا واليمن وليبيا والسودان.
الشعوب العربية تتطلع إلى موقف موحد يعيد القضية الفلسطينية إلى أولويتها، ويضع حداً للعدوان الإسرائيلي المتواصل، ويضمن حماية المقدسات، ويعمل على وقف نزيف الدم في بقية الدول العربية المنكوبة بالحروب والصراعات الداخلية.
من أخطر التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم هو التهجير القسري المستمر للفلسطينيين من أرضهم، سواء في غزة أو الضفة الغربية والقدس المحتلة.
المطلوب من القمة الطارئة أن تتخذ موقفًا عربيًا واضحًا وموحدًا ضد هذه المخططات، مع تحركات عملية على المستوى الدولي لإيقافها فورًا. على الأمة العربية أن تُرسل رسالة قوية للعالم بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وأن محاولات تهجيرهم لن تمر دون رد سياسي واقتصادي مؤثر.
تحلم الشعوب العربية بواقع اقتصادي مختلف، حيث يصبح التكامل الاقتصادي العربي حقيقة تدعم الأسواق المحلية، وتعزز التجارة البينية، وتحد من البطالة والفقر.
الدول العربية تملك ثروات طبيعية وبشرية هائلة، لكن غياب الاستراتيجية المشتركة والتنمية المستدامة يجعلها تعتمد على الخارج أكثر مما تعتمد على نفسها. فهل تتخذ القمة قرارات تُلزم الحكومات العربية بتفعيل السوق العربية المشتركة ومشاريع الطاقة والربط البري والبحري لتعزيز التعاون الاقتصادي؟
التحديات التي تواجه الأمة العربية تتطلب أكثر من مجرد قرارات فردية أو تحركات متفرقة. هناك حاجة ملحة لوضع إطار عمل عربي مشترك يضمن تنسيق الجهود في القضايا المصيرية، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأمن.
هذا الإطار يجب أن يقوم على:
- تشكيل هيئة عربية للأزمات تتولى الاستجابة السريعة للصراعات والمخاطر التي تهدد الدول الأعضاء.
- تفعيل آليات الردع السياسي والاقتصادي ضد أي تهديد للأمن القومي العربي، بما في ذلك سياسات الاحتلال الإسرائيلي والاستفزازات الخارجية.
- إطلاق مشاريع تنموية مشتركة تخدم جميع الدول العربية، مثل مشروعات الطاقة والغذاء والبنية التحتية.
- تعزيز التعاون الدفاعي العربي عبر تقوية العمل العسكري المشترك لحماية الأمن القومي للمنطقة.
- إيجاد آليات لحل النزاعات العربية الداخلية عبر مبادرات وساطة عربية بدلاً من التدخلات الخارجية.
باتت الديمقراطية والمشاركة السياسية مطلباً لا يمكن تجاوزه. الشعوب العربية لم تعد تقبل بالجمود السياسي والتراجع في الحريات، وهي تطمح إلى إصلاحات حقيقية تعزز سيادة القانون، وتدعم الشفافية، وتحارب الفساد الذي يلتهم ثروات البلاد. الإصلاحات السياسية ضرورة لبناء دول قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
يحتاج العالم العربي إلى خطاب إعلامي قوي ومهني يعبر عن قضاياه الحقيقية، بدلاً من إعلام يثير الانقسامات أو يُستخدم كأداة للصراعات. كما أن الحفاظ على الهوية الثقافية، وتعزيز التعليم، ودعم البحث العلمي، كلها ملفات تحتاج إلى قرارات حاسمة لمواكبة العصر وعدم ترك الأجيال القادمة في مواجهة تحديات الحداثة دون أدوات كافية.
لطالما نظر العالم إلى الدول العربية كقوة كامنة غير مستغلة، لكن آن الأوان لتغيير هذه النظرة. الأمة العربية تملك كل المقومات لتكون قوة سياسية واقتصادية وثقافية مؤثرة على الساحة الدولية، لكن ذلك لن يتحقق إلا بوحدة الموقف وإرادة حقيقية للتغيير.
على القمة أن توجه رسالة للعالم بأن العرب قادرون على حماية قضاياهم، وأنهم لن يقبلوا بعد اليوم بأن يكونوا مجرد متفرجين على مصيرهم.
القادة العرب أمام اختبار حقيقي، فإما أن تكون القمة الطارئة نقطة تحول تُلبي تطلعات الشعوب، أو تكون مجرد اجتماع آخر يضاف إلى سلسلة اجتماعات سابقة لم تثمر سوى عن وعود غير مُحققة. الكرة الآن في ملعب الزعماء العرب، فهل سينحازون إلى أحلام شعوبهم المشروعة؟
الشعوب تنتظر.. والتاريخ يسجل.