يطل علينا شهر رمضان المبارك كل عام بنفحاته الروحانية، ليكون أقرب الشهور إلى قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم، حيث تعم النفوس السكينة، وتصفو القلوب، وتتوحد الأرواح على طاعة الله وطلب المغفرة والرحمة.
إنه شهر الصيام والقيام، وشهر القرآن والتقرب إلى الله، لكنه في ذات الوقت كان عبر التاريخ شاهداً على الكثير من المحطات التي تجسد وحدة المسلمين وتماسكهم.
لم يكن شهر رمضان مجرد مناسبة دينية يقتصر فيها المسلمون على العبادة فقط، بل كان أيضاً ميداناً للعديد من المحطات المضيئة في تاريخ الأمة الإسلامية.
منذ عهد النبي محمد ﷺ، شهد رمضان أحداثاً غيرت مجرى التاريخ الإسلامي، أبرزها غزوة بدر الكبرى، التي كانت أول اختبار حقيقي لقوة المسلمين ووحدتهم، حيث حققوا فيها نصراً عظيماً برغم قلة عددهم وضعف إمكانياتهم.
وفي رمضان أيضاً، كان الفتح العظيم لمكة، حين دخلها النبي ﷺ مع جيشه فاتحاً بلا قتال، ليعلن بداية عهد جديد من التسامح والتوحيد. كما شهد رمضان العديد من الفتوحات الإسلامية الكبرى، مثل فتح الأندلس على يد طارق بن زياد، ومعركة عين جالوت التي أوقف فيها المسلمون زحف المغول، مما يبرهن أن رمضان لم يكن يوماً شهر خمول، بل شهر عزيمة وقوة ووحدة.
رمضان.. فرصة لتوثيق الوحدة ولمّ الشمل، إننا اليوم، ونحن على أعتاب الشهر الفضيل، أحوج ما نكون إلى العودة إلى أصولنا، إلى تلك الروح التي وحدت المسلمين في الماضي وأعطتهم القوة والهيبة.
قد باتت الفرقة والتشتت أكبر التحديات التي تواجه أمتنا، في وقت تتكالب علينا الأزمات، وتُستهدف مقدساتنا، وتتعرض هويتنا لمحاولات الطمس والتشويه.
رمضان هو الفرصة المثالية لنبذ الخلافات، واستعادة مفهوم الأمة الواحدة، التي يجمعها دين واحد، وقبلة واحدة، وأهداف واحدة.
إننا بحاجة إلى استلهام روح هذا الشهر في تعزيز التعاون والتكاتف بين الدول العربية والإسلامية، فليس من المعقول أن يبقى العالم الإسلامي منقسماً على ذاته، فيما تتسارع الأمم الأخرى نحو التكتلات الكبرى.
وحدة المسلمين.. هل آن الأوان؟ لقد طال انتظار حلم الوحدة الإسلامية، وتعثرت الجهود مراراً في تحقيقه، إما بسبب خلافات سياسية، أو نزاعات داخلية، أو تدخلات خارجية.
التاريخ يعلمنا أن الوحدة لم تكن يوماً مستحيلة إذا توافرت الإرادة الصادقة والعزيمة القوية. فما الذي يمنع العرب والمسلمين اليوم من الاجتماع على كلمة سواء؟ ولماذا لا يكون رمضان هذا العام بدايةً حقيقية لمرحلة جديدة من التلاحم والتضامن؟
إن الدفاع عن مقدساتنا، وصون كرامتنا، واستعادة مكانتنا بين الأمم، لن يكون ممكناً ونحن متفرقون، بل يحتاج إلى وحدة حقيقية، قوامها التعاون والتآخي والاحترام المتبادل.
وهنا، تأتي دعوة خالصة إلى الرؤساء والملوك العرب، أن الطريق الحق إلى الله يمر عبر وحدة المسلمين، ودفع الظلم عن الأشقاء، ونصرة المظلوم، وردع الظالم.
إنها مسؤولية تاريخية وأمانة عظيمة، فالتخاذل عن نصرة المستضعفين، والتقاعس عن الدفاع عن القضايا العادلة، لن يزيد الأمة إلا ضعفاً وتفككاً.
باختصار.. متى يجتمع القادة على كلمة سواء، ويضعون مصالح الأمة فوق كل اعتبار؟ متى يدركون أن قوتهم تكمن في وحدتهم، وأن التاريخ لن يرحم من يفرط في حقوق أمته؟
الإجابة ليست ببعيدة، لكنها تحتاج إلى يقظة من الشعوب، وإرادة من القادة، ووعي بأن الفرقة لم ولن تكون يوماً خياراً ناجحاً. عسى أن يكون رمضان هذا العام محطة للبدء من جديد، نحو أمة قوية موحدة، قادرة على مواجهة التحديات، واستعادة أمجادها، وتحقيق تطلعات شعوبها.