في عالم السياسة الدولية، تُعتبر المحادثات بين القادة أداة حساسة لتحديد مسارات العلاقات بين الدول، ولكن ما جرى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خالف كل الأعراف الدبلوماسية ورسم شكلاً جديداً لعلاقة تسودها البلطجة ويسيطر عليها قانون الغاب.
منذ أيام شهد البيت الأبيض لقاءً عاصفًا بين ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي، انتهى بمشادة كلامية حادة أدت إلى قطع الاجتماع قبل أوانه، في سابقة أثارت ردود أفعال دولية غير مسبوقة.
الاجتماع بدأ بنقاشات حول الدعم الأمريكي لأوكرانيا في صراعها المستمر مع روسيا. ومع مرور الوقت، تصاعدت حدة النقاش عندما وصف ترامب زيلينسكي بأنه «مقامر» واتهمه بتعريض العالم لخطر «حرب عالمية ثالثة». ورد زيلينسكي على هذه الاتهامات، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين الزعيمين.
خلال النقاش، أشار ترامب إلى أن زيلينسكي «يفتقر للاحترام» وأن أوكرانيا «لا تنتصر في الحرب»، مطالبًا إياه بالسعي نحو السلام أو مواجهة تقليص الدعم الأمريكي.
أثار هذا اللقاء المتوتر ردود فعل واسعة على الساحة الدولية، حيث وصف الأمين العام للناتو، مارك روتي، اللقاء بأنه«مؤسف»، معربًا عن قلقه من تداعياته على استقرار المنطقة.
أعرب مسؤولون أوروبيون عن استيائهم من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، معتبرين أن ذلك قد يؤدي إلى إضعاف التحالفات الدولية في مواجهة التحديات المشتركة.
هذا التصعيد العلني بين ترامب وزيلينسكي قد يؤدي إلى إعادة تقييم الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وقد تتجه الإدارة الأمريكية إلى تقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية لكييف، مما يضعف موقفها في الصراع مع روسيا.
قد تستغل موسكو هذا التوتر لتعزيز موقفها في أوكرانيا وزيادة الضغط على الدول الأوروبية، وقد يؤدي هذا الخلاف إلى تباعد المواقف بين الحلفاء الغربيين، مما يصعب تنسيق الجهود لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
عموما هذه ليست المرة الأولى التي تشهد صداماً بين ترامب وزيلينسكي ففي 25 يوليو 2019، أجرى ترامب مكالمة هاتفية مع زيلينسكي، تمحورت حول تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا.
لكن المثير للجدل أن ترامب طلب من زيلينسكي فتح تحقيق مع هانتر بايدن، نجل جو بايدن، الذي كان حينها منافسًا سياسيًا قويًا في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
تم تسريب تفاصيل المكالمة لاحقًا عبر بلاغ من مسؤول استخباراتي أمريكي، مما أدى إلى فتح تحقيقات موسعة في الكونغرس، وانتهى الأمر بإطلاق إجراءات مساءلة ضد ترامب بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس.
وهذه كانت المرة الأولى التي يُتهم فيها رئيس أمريكي بربط المساعدات العسكرية لدولة أخرى بمصالحه السياسية الشخصية.
على الرغم من أن هناك رؤساء سابقين واجهوا المساءلة، إلا أن قضية ترامب وزيلينسكي كانت من المرات النادرة التي ارتبطت فيها السياسة الخارجية مباشرة بالإجراءات الداخلية لعزل رئيس.
وصوت مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين صوت لصالح عزله، لكن مجلس الشيوخ ذا الأغلبية الجمهورية برّأه لاحقًا.
وأثرت هذه القضية على الانتخابات الأمريكية 2020، حيث ساهمت في تشويه صورة ترامب، لكنها لم تكن العامل الوحيد في خسارته أمام بايدن.
باختصار.. العلاقة بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم تكن أبدًا على أسس صلبة. فمنذ المكالمة الشهيرة بينهما في 2019، والتي أدت إلى مساءلة ترامب الأولى في الكونغرس، ظل التوتر قائمًا بينهما. ومع الأحداث الأخيرة، عاد هذا العداء للظهور علنًا، مما يعكس خلافًا جوهريًا في الرؤية بين الرجلين.
ما جرى بين ترامب وزيلينسكي كان لحظة فارقة في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث كشف كيف يمكن أن تتداخل المصالح الشخصية مع الأمن القومي والسياسة الخارجية لدولة بحجم الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن ترامب لم يُدان رسميًا، إلا أن هذه السابقة ستظل مثالًا على المخاطر التي قد تنجم عن تسييس العلاقات الدولية لخدمة الأهداف الانتخابية.