شهدت الأيام الماضية زيارة وفد من دروز سوريا إلى إسرائيل، وهي خطوة أثارت جدلاً واسعاً حول تداعياتها على وحدة البلاد ونسيجها الوطني.
تأتي هذه الزيارة في ظل مشهد إقليمي مضطرب، ومحاولات إسرائيلية مستمرة لاختراق المجتمعات المحلية في سوريا تحت مسميات مختلفة، من المساعدات الإنسانية إلى الروابط الثقافية والعائلية.
تتعدد التفسيرات لهذه الزيارة، ويمكن قراءتها في سياقات مختلفة، أبرزها:
* البعد السياسي: تحمل الزيارة بعداً سياسياً خطيراً، إذ تعزز المخاوف من استغلال إسرائيل لبعض المكونات السورية، وخصوصاً الدروز، لتكريس واقع جديد يخدم مصالحها الإقليمية.
* البعد الاجتماعي: تسعى إسرائيل إلى تقديم نفسها كحامية لدروز سوريا، وهو سيناريو مشابه لما قامت به مع دروز فلسطين، حيث تحاول إدماجهم في منظومتها السياسية والعسكرية.
* البعد الأمني: من المحتمل أن تكون هذه الزيارة جزءاً من جهود إسرائيل لتوسيع دائرة نفوذها الأمني في الجنوب السوري، لا سيما في ظل التوترات على الحدود.
لم يكن استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للوفد الدرزي السوري حدثاً عادياً، بل يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية تهدف إلى إيصال رسالة مفادها أن إسرائيل أصبحت لاعباً مؤثراً داخل سوريا، وقادرة على التواصل مع مكونات المجتمع السوري بشكل مباشر.
هذا الحدث أصاب الشعوب العربية والإسلامية بحالة من الإحباط والخوف من تغلغل الكيان المحتل في جسد الأمة، في وقت يعاني فيه العالم العربي من أزمات داخلية وضعف في الموقف الموحد تجاه القضية الفلسطينية والاختراقات الإسرائيلية المتزايدة.
لطالما شكل الدروز في سوريا جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني، ولعبوا أدواراً بارزة في التاريخ السوري، من الثورة ضد الاستعمار الفرنسي إلى الدفاع عن وحدة البلاد.
لكن مثل هذه الزيارات قد تساهم في خلق انقسامات داخلية، خاصة إذا تم استغلالها إعلامياً لتكريس فكرة «الخصوصية الطائفية» على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
تستخدم إسرائيل استراتيجيات متعددة لاختراق المجتمعات السورية، مثل:
* المساعدات الإنسانية: تقديم المساعدات لسكان الجنوب السوري في فترات الحرب، بهدف كسب تعاطفهم.
* الروابط العائلية: استغلال العلاقات العائلية بين دروز الجولان المحتل ودروز سوريا لفتح قنوات تواصل مباشرة.
* الدعم السياسي والعسكري: يثار الحديث عن دعم إسرائيلي لجماعات محلية في الجنوب السوري، ما يهدد وحدة البلاد.
الحديث عن تقسيم الأراضي السورية لم يعد مجرد سيناريو محتمل، بل هو مسار تعمل عليه قوى إقليمية ودولية منذ سنوات.
ورغم فشل المحاولات المباشرة لفرض خرائط جديدة، فإن استغلال التوترات الطائفية والمناطقية قد يكون مدخلاً لفرض أمر واقع.
لذا، فإن أي تحركات مثل هذه الزيارة يجب أن تُقرأ في سياق أوسع، يتجاوز البعد المحلي إلى المشروع الجيوسياسي في المنطقة.
باختصار.. تثير زيارة وفد درزي من سوريا إلى إسرائيل تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد ووحدتها. فإسرائيل، التي طالما عملت على تفكيك المجتمعات المحيطة بها، قد تجد في مثل هذه الخطوات مدخلاً لتعزيز نفوذها.
وعليه، فإن مواجهة هذا التغلغل يتطلب وعياً وطنياً شاملاً، يعيد التأكيد على الهوية السورية الجامعة، بعيداً عن المشاريع التفتيتية التي تستهدف البلاد، ويضع حداً لمحاولات العدو الإسرائيلي زرع الشك والانقسام داخل المجتمعات العربية.