في مشهد سياسي غير مسبوق، تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى قلب العاصفة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيسًا للبلاد، وسط انقسام داخلي حاد وقلق عالمي متصاعد.
وبينما يتحدث الرئيس الجديد–القديم بشعارات «الاستعادة العظيمة» و«أمريكا أولًا»، يخرج الشارع الأمريكي في مظاهرات واحتجاجات متزايدة تُعيد إلى الأذهان مشاهد «الربيع العربي»، ولكن هذه المرة بنسخة أمريكية، في مواجهة ما يراه كثيرون تهديدًا مباشرًا للديمقراطية.
عودة ترامب لم تمر مرور الكرام على الأسواق، إذ شهدت البورصة الأمريكية خسائر فادحة قُدّرت بأكثر من 6.6 تريليون دولار منذ إعلان قراراته التجارية الأخيرة، وسط تحذيرات من أن السياسات الاقتصادية للرئيس الجديد تُثير الذعر أكثر مما تطمئن.
مؤسسات مالية بارزة تحدثت عن «انفجار فقاعات» وعودة عقلية «الحروب التجارية»، فيما بدأت صناديق الاستثمار في إعادة حساباتها بناءً على مزاجية رئيس يصعب التنبؤ بتحركاته.
خطابات ترامب، ومنذ عودته إلى المنصب، تعكس تصعيدًا غير مسبوق في اللهجة والمضمون. يتحدث وكأنه فوق الدولة والدستور، ويروج لنفسه كقائد تاريخي لا يُخطئ، متقمصًا حالة من جنون العظمة لا تخطئها الأعين. فهو لا يعترف بالمعارضة، ويهاجم الإعلام، ويُحاصر القضاء، ويُعيد إنتاج نفسه كمخلّص يُنقذ أمريكا من نفسها، والعالم من «ضعفه».
في مواجهة هذا المشهد، بدأت المدن الأمريكية الكبرى تشهد موجات احتجاج متصاعدة، تُنذر بتحول الحراك السياسي إلى ما يشبه «الربيع الأمريكي».
الشباب، والأقليات، ونشطاء المجتمع المدني، خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحفاظ على دولة القانون، ورافضين عودة خطاب العنصرية والانقسام. كما بدأت أصوات داخل الحزب الجمهوري نفسه تعبر عن قلقها من توجهات ترامب وسياساته الصدامية.
المشهد الأمريكي بات مفتوحًا على كل السيناريوهات. الأحداث مرشحة للتصاعد خلال الأيام المقبلة، خاصة مع ازدياد وتيرة الخطاب التحريضي، وتنامي الدعوات للعصيان المدني، وتراكم المؤشرات الاقتصادية السلبية. ما يحدث لم يعد مجرد خلاف سياسي، بل صراع على روح الأمة الأمريكية نفسها.
عودة ترامب إلى الحكم وضعت الديمقراطية الأمريكية في أخطر اختبار منذ تأسيسها. فهل تنجح المؤسسات في تقييد «الرئيس الخارج عن النص»؟ وهل ينجح الشعب الأمريكي في الدفاع عن تاريخه الدستوري ضد رياح الفردانية والشعبوية؟ «الربيع الأمريكي» قد يكون الفرصة الأخيرة لتصحيح المسار، قبل أن تصبح الديمقراطية مجرد فصل في كتب التاريخ.