رغم مرور أكثر من سبعة عقود على نكبة فلسطين، لا تزال إسرائيل ترفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وتواصل تمسكها بمشروعها الاستيطاني التوسعي، مدفوعة بدعم غربي وتواطؤ دولي.
وفي كل مرة تشتد فيها الضغوط، تهرب إسرائيل من استحقاقات الحل السياسي، وتبحث عن شماعة تعلق عليها إخفاقاتها المتعمدة.
واليوم، تضع حركة «حماس» في مرمى اتهاماتها لتبرير آلة القتل والدمار التي تستهدف بها شعباً بأكمله. غير أن هذه الحرب، في جوهرها، ليست سوى حلقة من سلسلة متواصلة تهدف إلى شطب القضية الفلسطينية من جذورها.
منذ بداية احتلالها لفلسطين، اختارت إسرائيل أن تتنكر لأي حل جذري وعادل. فكل مبادرة سياسية تُقابل بسياسات التفريغ والمماطلة وتوسيع المستوطنات، بينما تُستخدم «المقاومة» كذريعة جاهزة لتبرير العدوان. «حماس» ليست المشكلة، بل الغطاء الذي تحتاجه إسرائيل كلما قررت أن تشعل الحرب.
المتأمل في سلوك إسرائيل خلال العقود الماضية، يدرك أن المسألة أبعد من مجرد مواجهة مع فصيل مقاوم. إنها حرب وجود ضد الشعب الفلسطيني، هدفها اقتلاع الإنسان من الأرض، وطمس الهوية الوطنية، وضرب كل مقومات الحياة من بنى تحتية ومدارس ومستشفيات وحتى المخيمات التي تضم أجيال اللاجئين.
الحرب على غزة اليوم ليست فقط مواجهة عسكرية، بل فصل جديد في مشروع استعماري صريح. إسرائيل لا تحارب من أجل «أمنها»، كما تدّعي، بل من أجل ترسيخ واقع استيطاني، وخلق شرق أوسط خالٍ من الصوت الفلسطيني.
تحت عباءة الحرب، تمارس إسرائيل سياسة الإبادة الجماعية، وتجعل من دماء الأطفال والنساء جسراً لتحقيق مكاسب سياسية.
وفي المقابل، يظل الشعب الفلسطيني رغم كل الفواجع متشبثاً بأرضه وحقه. المقاومة ليست سبباً في فشل السلام، بل نتيجة حتمية لغياب العدالة واستمرار الاحتلال.
لا يمكن الحديث عن «إرهاب» بينما القوة القائمة بالاحتلال هي من تمارس القتل والتدمير الممنهج، وتغلق الأبواب في وجه أي حل سياسي حقيقي.
لقد بات من الضروري أن يُعاد تعريف المشهد: لا سلام مع الاستيطان، ولا استقرار في ظل الحصار والقتل الجماعي. إسرائيل تُراكم أسباب الانفجار، ثم تتظاهر بالدهشة عندما تشتعل النيران. أما العالم الذي يصمت عن المجازر، أو يساوي بين الضحية والجلاد، فهو شريك في الجريمة، ومسؤول عن تمديد أمد المأساة.
إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج لمن يتحدث باسمه، بل لمن ينصت إلى صوته وإرادته. فمعركته ليست فقط من أجل البقاء، بل من أجل العدالة والحرية والكرامة.
أما إسرائيل، فإن استمرارها في التهرب من الحلول، والاحتماء بخطاب «مكافحة الإرهاب»، لن يغير من حقيقة كونها دولة احتلال تمارس جرائم موصوفة.
والمقاومة، أياً كانت تسمياتها، ستظل رديفاً للحق في وجه الباطل، والحق لا يُلغى بالتشويه، ولا تُكسر رايته بالحرب. لقد آن الأوان ليقف العالم أمام مسؤوليته، فشعب فلسطين لا يطالب بالمستحيل… بل بحقه الطبيعي في أن يعيش حراً على أرضه.
وفي خضم هذا المشهد المعقد، لا يمكن إغفال الدور المصري المحوري في دعم القضية الفلسطينية، والذي لم يتغير رغم التحولات الإقليمية والدولية. فقد ظلت مصر حاملة لهمّ القضية في المحافل الدولية، ووسيطاً رئيسياً في كل محاولات التهدئة ووقف إطلاق النار.
كما بذلت جهوداً متواصلة لتخفيف المعاناة الإنسانية عن أهالي غزة، سواء عبر فتح معبر رفح في الأوقات الحرجة، أو من خلال إرسال المساعدات والإمدادات الطبية.
هذا الدور المتوازن، الذي يجمع بين الدعم السياسي والإنساني، يعكس التزام مصر العميق بثوابت الأمن القومي العربي، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.