في لحظة يئن فيها المواطن المصري من أزمات خانقة، خرج علينا الدكتور أسامة الغزالي حرب، أحد الوجوه البارزة في المشهد الفكري والسياسي المصري، بدعوة لإحياء ألقاب «البيه» و«الباشا»، وربطها بالمستوى التعليمي: الابتدائية للبيه، والإعدادية للباشا!
الطرح في ظاهره يبدو ساخرًا، وفي عمقه مستفزًا، إذ يأتي في توقيت يضع الشعب يده على قلبه مع كل تقلب اقتصادي جديد، ويبحث عن بصيص أمل في مشهد سياسي واجتماعي متأزم. فهل نحن فعلاً بحاجة إلى نقاش حول «الألقاب»، أم أن الأمر لا يعدو كونه زوبعة إعلامية أو فقاعة فكرية لا تليق بحجم التحديات التي تواجهها البلاد؟
الدعوة بحد ذاتها تثير الحيرة: أهي حنين إلى زمن الطبقية المخملية؟ أم هروب ذكي من مواجهة القضايا الحقيقية نحو طروحات خفيفة تسلّي الناس وتشوّش أولوياتهم؟ أليس الأجدر بمن يعتبر نفسه مفكرًا أن يتحدث عن العدالة الاجتماعية، عن تطوير التعليم، عن استقلالية القضاء، لا عن «رتب اجتماعية» كأننا في مشهد من زمن الملكية؟
أسامة الغزالي حرب ليس اسمًا عابرًا، بل مفكر وصحفي وسياسي صاحب تاريخ في دهاليز الدولة. لذلك، فإن أي تصريح يصدر عنه يُقرأ في ضوء سياق سياسي واجتماعي، ويُفسَّر على أنه محاولة لتحريك المياه – أو تعكيرها – بحسب موقع النظر. والسؤال الجوهري هنا: لماذا الآن؟ ولماذا بهذه السطحية؟
ما يحدث يُظهر أزمة أعمق: أزمة نخبة ابتعدت عن نبض الناس، ولم تعد تعبّر إلا عن فقاعاتها الخاصة. نخبة تناقش الألقاب بينما المواطن يبحث عن رغيف خبز، وعن سرير في مستشفى، وعن تعليم يحفظ لأبنائه كرامتهم.
نحن اليوم لا تحتاج فيه مصر إلى «باشوات» جدد، بل إلى عقول نزيهة، وضمائر حية، وقيادات تؤمن بأن الكرامة لا تُمنح بل تُبنى.
الوطن لا يحتاج إلى ألقاب، بل إلى منظومة تحترم الإنسان، أيًا كان لقبه أو مستواه التعليمي.
redahelal@gmail.com