لن تكون الجماعة الصحفية على موعد عابر مع صناديق الانتخاب، يوم الجمعة المقبلة، بل على مفترق طرق حقيقي، بين نقابة تُستعاد أو نقابة تُستكمل خصخصتها المعنوية وتحويلها إلى مكتب خدمات موسع بلا موقف ولا حضور.
هذه ليست انتخابات اعتيادية، بل لحظة مفصلية في تاريخ النقابة والمهنة معًا. فالصحفيون لا ينتخبون نقيبًا ومجلسًا فحسب، بل ينتخبون تصورًا كاملاً للدور، ورؤية لمستقبل النقابة، وتعريفًا لمعنى أن تكون صحفيًا في بلدٍ تغيّرت فيه الموازين، وتراجعت فيه الحريات، وتآكل فيه الدور.
لا حياد في معركة كهذه
الوقوف على الحياد هنا ليس فضيلة. من حق الجماعة الصحفية، بل من واجبها، أن تحسم أمرها أمام ما يُعرض عليها: مشروعان لا يلتقيان إلا على الورق، وإن تشابهت الشعارات وتلاقت الأحاديث حول “مصلحة الصحفي”.
أحد المشروعين – ولن أسميه – يرى أن النقابة تُدار كجمعية خدمات، وأن الإصلاح يبدأ بمظروف علاج وشقة سكن، أو مزرعة للخضروات والفواكه، بها بعض البقر والماعز، أما الدفاع عن الكرامة والحرية والهوية فذلك ترف مؤجل، أو مخاطرة غير محسوبة. هذا المسار، وإن بدا جذابًا في المدى القصير، يحمل في طياته بذور الفناء المعنوي للنقابة، حين تتحول إلى مركز خدمات بلا موقف.
في المقابل، يطرح المشروع الآخر تصورًا أكثر اتساقًا مع روح النقابة، أكثر صلابة في الدفاع عن الحد الأدنى من المعنى والكرامة. لا ينكر الخدمات، رغم وجودها بكثير من الملاحظات التى يمكن علاجها وتحسينها، لكنه لا يقايض بها جوهر النقابة ودورها التاريخي كصوت للمهنة، وملاذ للمقهورين فيها. لا يعد بشقق، (رغم وجودها) بل بكرامة. ولا يتاجر بالخدمات، بل يعيد تعريفها في إطار حقوق لا هبات.
الخدمات مهمة.. لكنها ليست كل شيء
لا أحد ينكر أن الصحفيين يعيشون أوضاعًا مأساوية على مستويات الدخل والأمان المهني. لكن الرد على هذه المعاناة لا يكون بالتهوين من دور النقابة، بل بتحصينها من التفريغ، ومن تحويلها إلى منفذ من منافذ السلطة أو ذراع تنفيذي لشركة أو وزارة.
الوعي هو الرهان الأخير
إن ما نواجهه ليس مجرد منافسة انتخابية، بل تحدٍ لوعي الجماعة الصحفية: هل تختار الطريق الأسهل، المُعَدّ سلفًا، المغلف بالوعود السهلة والمكاسب الصغيرة؟ أم تختار طريقًا أكثر وعورة، لكنه أكثر احترامًا للذات، وأكثر قدرة على حماية المهنة من الذوبان؟
هل تنتصر «الجزرة» في معركة الكرامة؟ هل يُقايض الصحفي حريته بمظروف علاج أو شقة في الإسكان؟ هل يتحول الصوت الحر إلى رقم في طابور الامتيازات؟..الجمعة المقبلة ستجيب!!