في مشهد بات يثير الدهشة والمرارة معًا، تنتفض عواصم الغرب وتعلو أصوات شعوبها ومؤسساتها السياسية ضد آلة القتل التي تنهش غزة منذ أشهر، بينما تغرق العواصم العربية في صمت مريب لا يليق بثقلها التاريخي ولا بدورها المفترض.
الاتحاد الأوروبي، الذي طالما اتُّهم بازدواجية المعايير، بات أكثر وعيًا من بعض الأنظمة العربية، حيث خرج آلاف الأوروبيين إلى الشوارع رافضين المجازر في غزة، واستدعت دول كبرى ومنها بريطانيا سفراء الاحتلال، وبدأت التحقيقات تتوالى في المحاكم الدولية بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
مشهد يدعو للتأمل: الغرب الغريب عن قضيتنا يحترق غضبًا، بينما من يفترض أنهم أهل القضية يغرقون في سبات عميق.
أما الصين، القوة الدولية الصاعدة، فترسل رسالة واضحة لا تحتمل التأويل: «لا يمكن لأي قوة في العالم أن توقف أو تعرقل المساعدات الإنسانية التي تقدمها لغزة».
تحدٍّ مباشر للمجتمع الدولي، واصطفاف واضح إلى جانب المظلومين، بينما تريليونات العرب تُحوَّل إلى بنوك أمريكا لإنعاش اقتصادها أو تُضخُّ في مشاريع وهمية على حساب دماء أطفال فلسطين.
مؤتمرات تعقد وتلغى، وبيانات تصدر وتتبخر، وقيادات عربية تفرّ من استحقاقات التاريخ، كما فرّ البعض من قمة بغداد، خشية أن تُلزمهم بشيء تجاه ما يجري في غزة.
الضغوط الأمريكية على نتنياهو: بين المطرقة والسندان
في ظل تصاعد الانتقادات الدولية للعدوان الإسرائيلي على غزة، كثّفت الولايات المتحدة ضغوطها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفعه نحو قبول خطة لوقف إطلاق النار.
وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أعلن أن نتنياهو وافق على مقترح أمريكي يتضمن وقفاً تدريجياً لإطلاق النار وتبادل الأسرى، مع إمكانية إعادة إعمار القطاع في مرحلة لاحقة. غير أن هذه الموافقة لم تكن علنية أو نهائية، مما أثار تساؤلات حول مدى التزام الحكومة الإسرائيلية بالخطة.
الضغوط لم تقتصر على الجانب الأمريكي؛ بل واجه نتنياهو أيضاً ضغوطاً داخلية من عائلات الرهائن والنخبة الأمنية في إسرائيل، التي ترى في الصفقة فرصة لإنهاء الحرب.
في المقابل، يواجه نتنياهو تهديدات من حلفائه في اليمين المتطرف الذين يرفضون أي تنازلات لحركة حماس. هذا الوضع وضع نتنياهو في مأزق استراتيجي بين مطالب الحلفاء وضغوط الحلفاء الدوليين.
وفي هذا السياق، حث بلينكن حركة حماس على قبول المقترح الأمريكي، مؤكداً أن التوصل إلى اتفاق هو السبيل الأمثل لإنهاء المعاناة في غزة. ومع ذلك، تظل المفاوضات معقدة، خاصة مع استمرار الاحتلال في رفض الانسحاب الكامل من القطاع.
مصر.. الموقف الثابت في زمن المواقف المتغيرة
وسط هذا الظلام، تبقى مصر.. تبقى كما كانت منذ نكبة 1948، حصن العروبة ودرع الإسلام، تدافع عن القضية الفلسطينية بثبات لا يتزعزع، وتطالب بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وترفض كافة محاولات التصفية أو التهميش.
الحساب قادم
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد عدوان، بل حرب إبادة مكتملة الأركان، ومجازر يومية تُرتكب بدم بارد. ولن يُحاسب عليها الاحتلال وحده، بل سيتحمّل وزرها أولئك القادة الصامتون، الذين اختاروا الصمت في زمن لا يحتمل الحياد، ووقفوا مكتوفي الأيدي في معركة بين الجلاد والضحية.
باختصار.. ستكتب غزة أسماء من خذلوها، تمامًا كما ستكتب أسماء من وقفوا معها.. والتاريخ لا ينسى.. والله عز وجل في علاه كما أنه غفور رحيم فهو أيضًا قوي شديد العقاب.