لا تزال ليبيا، منذ أكثر من عقد من الزمن، تنزف تحت وطأة حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، ما جعلها بؤرة توتر مزمنة في قلب شمال إفريقيا، وأداة تهديد مستمر لأمن وسلامة دول الجوار.
وما يزيد من خطورة هذا الوضع هو غياب أفق سياسي واضح للحل، في ظل استمرار الانقسام بين الحكومتين المتنازعتين شرقاً وغرباً، واستمرار التدخلات الخارجية التي تُبقي النزاع الليبي محتدماً، وتحول دون تحقيق توافق وطني شامل.
لقد تحولت ليبيا من دولة ذات سيادة إلى ساحة صراع مفتوحة على مصراعيها أمام الميليشيات المسلحة، والمرتزقة الأجانب، وشبكات الجريمة المنظمة، وتجارة السلاح والبشر.
هذا الانفلات غير المسبوق خلق بيئة خصبة لتنامي الجماعات الإرهابية التي باتت تجد في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة ملاذاً آمناً. والمفارقة أن المجتمع الدولي، رغم بياناته المتكررة، لم يتخذ موقفاً حاسماً لوضع حد لهذا التدهور، مما جعل الأزمة الليبية أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.
إن استمرار حالة الفوضى في ليبيا لا يقتصر خطرها على الداخل الليبي فحسب، بل يهدد بشكل مباشر دول الجوار:
مصر تتخوف من تمدد الميليشيات المسلحة إلى حدودها الغربية، ومن استغلال الجماعات الإرهابية لهذا الفراغ الأمني لتنفيذ عمليات عبر الحدود.
تونس تعاني من تدفقات اللاجئين ومن محاولات تسلل إرهابيين يحملون فكر «داعش» و«القاعدة».
الجزائر تراقب بقلق تزايد نشاط الجماعات المتطرفة في الجنوب الليبي، وهي تدرك أن أي انهيار شامل في ليبيا ستكون له تداعيات مباشرة على أمنها القومي.
أما دول الساحل مثل النيجر وتشاد، فتعيش أصلاً تحت وطأة أزمات داخلية، ويزيدها الوضع الليبي هشاشة واضطراباً، خاصة مع تدفق الأسلحة عبر الحدود وتحول الجنوب الليبي إلى معبر رئيسي للتهريب.
كل ذلك يحدث في ظل فشل واضح للجهود الأممية في توحيد المؤسسات الليبية أو حتى الدفع نحو انتخابات عامة تفضي إلى حكومة موحدة.
والمؤسف أن بعض القوى الإقليمية والدولية لا تزال ترى في ليبيا ساحة لتصفية الحسابات وتوسيع النفوذ، ما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها.
باختصار.. أمن المنطقة برمتها يتطلب اليوم تحركاً عاجلاً وشاملاً، لا يكتفي بإدارة الأزمة، بل يسعى لحلها من جذورها.
لا يمكن ترك ليبيا أسيرة الفوضى، لأن النيران التي تشتعل في طرابلس أو بنغازي لن تبقى محصورة هناك، بل ستمتد سريعاً إلى العواصم المجاورة، وربما تتجاوزها إلى ما هو أبعد.
إننا أمام لحظة تاريخية فارقة، إما أن نُحسن استغلالها من خلال مشروع عربي ـ إفريقي مشترك يعيد الاستقرار إلى ليبيا، أو نكتفي بالمراقبة السلبية حتى ينفجر البركان في وجه الجميع.