منذ بداية شهر يونيو، تتوالى الشائعات كالسيل المنهمر، في مشهد يطرح العديد من علامات الاستفهام حول التوقيت والهدف والجهات المحركة.
حديث متصاعد عن تغيير وزاري «وشيك»، أنباء متضاربة عن خلافات مصرية – عربية، وأخرى حول منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى جانب روايات مفبركة تستهدف صميم العلاقات الخارجية المصرية، فما الذي يحدث؟ ولماذا الآن؟
يأتي هذا التصعيد في وقت دقيق تمر فيه الدولة المصرية بإعادة ترتيب داخلية على عدة مستويات: استكمال خطة الإصلاح الإداري، ضخ دماء جديدة في قطاعات الدولة، وإعادة هيكلة الملفات الاقتصادية والأمنية في ظل تحديات إقليمية متزايدة.
وهو أيضاً توقيت يتزامن مع استعداد مصر لموسم سياسي حيوي يمتد حتى نهاية العام، سواء على صعيد السياسات الخارجية أو المشاريع الوطنية الكبرى.
في مثل هذه اللحظات، تصبح بيئة الشائعات خصبة، وتاريخياً، لا تتحرك الشائعات في مصر بمعزل عن مراكز الضغط المنظمة، خاصة في توقيتات كالتي نعيشها اليوم. فما السر؟
من يراقب خطاب جماعة الإخوان مؤخراً، خاصة عبر المنصات الإعلامية الخارجية أو عبر لجانها الإلكترونية، يلاحظ تصعيداً مدروساً في نشر الأكاذيب وصناعة البلبلة.
الجماعة، التي لفظها الشارع المصري منذ سنوات، لا تزال تقتات على محاولة التشويش على مؤسسات الدولة وبث الفوضى النفسية.
الشائعات الحالية تحمل سمات خطاب «إخواني-مخابراتي»، يعتمد على ثلاثية: تسريب أنصاف الحقائق، النفخ في الأحداث الصغيرة، واختلاق روايات من العدم ثم ترويجها عبر حسابات مزيفة تبدو «محلية».
ما يحدث الآن ليس مجرد ارتباك معلوماتي، بل محاولة مقصودة لإرباك المواطن المصري وزرع الشك بينه وبين مؤسسات بلاده.
هنا يبرز تساؤل منطقي: أين وحدة رصد الشائعات بمجلس الوزراء؟ لماذا لم يصدر توضيح رسمي سريع حول الشائعات المتلاحقة؟ وهل هذا الصمت تكتيكي أم ارتباك؟
في مواجهة هذا النوع من الحملات، يصبح الرد السريع والمباشر ضرورة أمن قومي. إن ترك الشائعات لتنتشر دون تفنيد رسمي، يمنحها مساحة للتكاثر والتجذر.
والرد لا يعني الاعتراف بوجود أزمة، بل العكس: هو تأكيد على ثقة الدولة في ذاتها، وقدرتها على تبديد الضباب بمعلومة واضحة في توقيتها المناسب.
ما يجري اليوم ليس مجرد تهيئة لتغيير وزاري، ولا خلاف دبلوماسي عابر.. بل هو اختبار جديد للوعي الجمعي للمصريين، ومدى قدرتهم على فرز المعلومات، وتمييز المعارك الحقيقية عن تلك المصطنعة.
الرسالة واضحة: المعركة مع جماعة الإخوان لم تنتهِ، بل تتخذ الآن أشكالاً جديدة تتناسب مع الحرب النفسية والمعلوماتية. وعلينا – كدولة وإعلام ومجتمع – أن نكون على قدر هذه المواجهة، لا بالصمت، بل بالتوضيح، وبخطاب يعزز ثقة المواطن في قراره ومؤسساته.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا