في وقت تتصاعد فيه موجات الغضب الشعبي داخل الولايات المتحدة، بفعل أزمات اقتصادية متفاقمة وانقسامات عرقية وسياسية عميقة لم يعد بالإمكان إخفاؤها، يبدو أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يُعيد اللجوء إلى استراتيجيته القديمة التي تعتمد على افتعال الأزمات الخارجية.. الهدف الواضح لهذه الخطوة هو إما تأجيل الانفجار الشعبي الداخلي أو تغطيته سياسياً وإعلامياً.
الأحداث المتلاحقة في الداخل الأميركي تقدم مشهداً متشابكاً، من احتجاجات متفرقة في عدد من الولايات إلى قضايا قضائية وإعلامية تلاحق شخص ترامب وقاعدته السياسية، يجد الرئيس الأمريكي نفسه في مواجهة ضغوط تدفعه للبحث عن «عدو خارجي» يشغل الرأي العام عن أزماته المحلية، وبالطبع يعود الشرق الأوسط، الذي كان دائماً ساحة خصبة لتصدير الأزمات الأميركية، مجدداً إلى الواجهة كميدان للتصعيد المحتمل.
التصعيد الأخير لم يكن عبثياً أو وليد اللحظة، تهديدات ترامب المتواصلة لإيران، وتصريحاته التي تلوّح بـ«رد حاسم» على أي تهديد للمصالح الأميركية في الخليج، أعقبها رفع مستوى التأهب في القاعدة البحرية الأميركية في البحرين.
هذه المؤشرات تعكس رسالة واضحة: المنطقة باتت على شفا مواجهة محتملة، حتى لو بقيت في إطار الاستعراض العسكري والضغط السياسي.
لكن ما يزيد الأمر تعقيداً هو الوضع المشتعل أصلاً في الشرق الأوسط. العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، إلى جانب التوترات الأمنية الممتدة من اليمن إلى العراق وسوريا، جعل المنطقة تبدو أشبه بـ«علبة بارود».
وفي ظل وجود شخصية سياسية مثل ترامب يتميز خطابه بالاستفزاز وعدم القدرة على توقع تصرفاته، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى اقتراب هذه «العلبة» من الاشتعال.
إيران تبدو الهدف المفضل لاستراتيجية ترامب الجديدة القديمة، سواء بهدف تأجيج قاعدة مؤيديه عبر خطاب القوة والحزم أو في محاولة لإظهار صورة إدارة قوية قادرة على حماية المصالح الأميركية، تبقى طهران «الخصم المثالي» لتلك الغاية.
ومع ذلك، فإن أي تصعيد غير محسوب قد يجر المنطقة إلى أتون مواجهة مفتوحة، لن تقتصر آثارها على الشرق الأوسط وحسب، بل قد تمتد لتهدد المصالح الأميركية نفسها وتضعها أمام تحديات غير مسبوقة.
اللعب على هذه الحافة يبدو جذاباً لترامب الذي يسعى لاستعادة الزخم السياسي والشعبي داخل الولايات المتحدة، إلا أن هذا النهج المغامر يحمل مخاطر هائلة قد تجعل الشرق الأوسط مسرحاً لصراعات طويلة الأمد لا أحد يمتلك مفتاح حلها.
من الواضح أن تسخين ملفات المنطقة يهدف في المقام الأول إلى تحقيق مكاسب سياسية مباشرة على الساحة الأميركية، دون الاكتراث لعواقب تلك السياسات على شعوب المنطقة واستقرارها.
العواصم العربية اليوم مطالبة باتخاذ موقف واضح وحاسم تجاه هذه الديناميكيات الخطيرة.. ما يحدث ليس سوى محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج الفوضى بدوافع ضيقة لا علاقة لها بمصالح المنطقة أو شعوبها، ومهما بلغت شراسة الضغوط الدولية، تبقى الأولوية لحفظ أمن واستقرار المنطقة ورسم خطوط حمراء تحول دون أن تتحول أراضيها مرة أخرى إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية.
وفي ظل الضبابية التي تحيط بتحركات الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب ، يبقى الوعي الشعبي والسياسي العربي هو الدرع الأول أمام محاولات جر المنطقة إلى أزمات متجددة تهدد مصالحها وأمنها لعقود قادمة.