بقلم – رفعت السعيد
ورغم خضوعه لفترة لميكانيكية التفكير إلا أنه ما لبث أن خاض معركة ضارية ضد الاستبداد والمستبدين ويوجه حديثه ضد الملوك دون خوف «مهلًا سادتى الجالسين على عرشكم العالى وبيدكم صولجان المجد والقوة فلا يغضبكم إنذارى، ولا تقنطوا من حكم الدهر إذا عدل» وهو يكشف خدمة الاحتكام لقوانين ظالمة يسنها المستبدون ليحموا أنفسهم بها، مدعين أنهم يحمون العدل والقانون، فالإنسان سعى لكى يقهر بعضه بعضًا، إنسان يقهر إنسانًا، وقبيلة تقهر قبيلة وأمة تقهر أمة، وهكذا تجد الظالم يظلم وهو ينادى بالعدل ويتحيز وهو يعلم الناس التواضع، ويغضب وهو يوصيهم بالحلم، بل هو يهاجم النظام القضائى والأسس القانونية لأنها في الجوهر خالية من العدل الحقيقى، فالعقاب أثر من آثار الهمجية والظلم، فلماذا نعاقب الكاذب مثلًا ألسنا نحن الذين علمناه أن يكذب لأنه رآنا نعاقبه على الصدق وأن يسرق لأننا حرمناه مما يحتاج إليه.. ومن هذه الكلمات ينطلق للمطالبة بإقامة نظام جمهورى لكنه يريدها «جمهورية حقيقية، يتم فيها توزيع الأعمال على قدر المنافع العمومية بحيث تتوافر فيها المنفعة لكل فرد في المجتمع دون أدنى تمييز»، ويواصل «جمهورية يصبح فيها الشعب هو الكل والحكومة لا شيء، أي أنها تختلف عن حكومات أوروبا وجمهورية فرنسا فإنها جميعًا متقاربة في نظمها، متساوية في ظلمها وإن اختلفت الأسماء وكلها عاجزة عن تحقيق مطالب المجتمع اليوم وفى المستقبل»، أما كيف يتحقق مثل هذا الحلم؟ فإنه يقرر «إذا رفض الشعب الاستبداد زال الاستبداد، وإذا خضع للطغاة واصل الطغاة طغيانهم، ولهذا لا بد أن تتحرك الأمة»، ثم يحذر «لا ينتظر أن تكون الحكومة أفضل من الأمة، بل لا تلام الحكومة إذا داست بقدمها على رقاب الرعية، فهل تداس رقاب تأبى أن تداس؟ إن من ينتظر أن يأتى الإصلاح من أي حكومة برضاء منها فإنه يجهل تاريخ نشوء الأمم، فالتاريخ أمامنا، فالحكومات في كل البلدان تذعن للإصلاح تحت ضغط مطالب الشعب، والثورة آتية، فالأيام حبالى، ولا بد من أن تلد قدرة لا تذكر معها ثورة القرن الماضى، بل هي ثورة تشترك فيها شعوب أوروبا كلها لتنصر الشعوب بعضها بعضًا، ينصرون بعضهم على حكوماتهم لقلبها وإبدالها بما يكون أوفق لروح العصر وأحفظ لمصلحة الجمهور، فالحكومات القائمة حاليًا حتى ولو كانت في أعلى ذرى الإصلاح تقتل مصالح الجمهور في كل يوم»، وبعد ذلك يحدد شميل وبوضوح شكل الحكومة التي يريدها «هي حكومة الجمهورية الديمقراطية التي تكون فيها الأمة هي الكل والحكومة لا شيء» ثم يأتى شميل إلى هدفه الأساسى وهو الاشتراكية فيقول «الاشتراكية نتيجة لأزمة لمقدمات ثابتة لا بد من الوصول إليها ولو بعد تذبذب طويل»، وهو يهاجم «الرأسماليين» ويسميهم «لصوص المجتمع»، ويقول «إن الحكومات الحاضرة لا هم لها إلا أن تضمن لهم تحقيق السلب والنهب، فيصادرون ويرابون ويجمعون المال بالاحتيال» ويتحدث عن المجتمع الرأسمالى قائلًا «رأيت الغنى الشبعان يبلع الجمل ولا يتستر، والفقير الجائع يتلصص لسرقة رغيف من الخبز الأسمر، والقانون يكافئ هذا برفع القبعات ويعاقب ذاك بالسجن سنوات، ثم رأيت معالم الظلم تُشاد فوق رءوس الناس تحت لواء العدل، ودعوى الهداية تسرى تحت قلانس المكر وعمائم الجهل»، وفى مقال عنوانه «لطمة على خد العالم» يقول فيه «لقد كان بالإمكان تدارك الشر لو أن الحكومات لا تنقاد انقيادًا أعمى لأصحاب الأموال» ولكنها بذلك تدفع الشعوب إلى الثورة، هي ثورة العمال ضد أصحاب المال، وثورة قوى العقل المستنبط واليد العاملة ضد فساد نظام الحكم وجشع أصحاب المال، ثم هو يكتب مقالًا صريحًا عنوانه حاسم وهو «الاشتراكيون» نشره في جريدة «الأخبار» عام ١٩٠٨، فيكتب سليم سركيس في «المؤيد» ردًا عليه محاولًا إخافته وناصحًا إياه أن يتستر حتى لا يتهمه الناس بالاشتراكية، ويرد عليه شميل بمقال آخر بعنوان «الاشتراكية» ويخاطب سركيس قائلًا «في مقالك بالمؤيد طلبت منى أن أدفع عن نفسى شبهة أننى أدافع عن الاشتراكيين وكأن الاشتراكية وصمة وأنا قد تلوثت بها، وأنك تريد منى أن أبين حقيقة موقفى لكى أخرج طاهر الذيل، فشكرتك على حسن ولائك ولو أنى أعجبت أكثر بدهائك ولقد كنت أظن قبل اليوم أن الاشتراكية في نظر خصومها أمر بعيد المنال فإذا هي فوق ذلك وصحة تعرض صاحبها لأقبح المطان»، ثم هو يحدد طبيعة الاشتراكية التي يريدها قائلًا «هي الاشتراك في العمل والاشتراك في المنفعة على قدر نسبة العمل»، وهكذا أتم شبلى شميل رسالته.