بقلم – علي الفاتح
ليس من المتصور أن يصل مستوى الشطط فى التعبير عن حجم غضب دولة من أخرى إلى حد اتخاذ خطوات عدائية وتهديد مصالحها الاستراتيجية، إلا إذا كان الخلاف السياسى قد بلغ مداه وأصبحنا بصدد صدام مُحقق واختلاف مصيرى فى المصالح، ولم يعد من حل سوى الإعلان عن حرب دبلوماسية وسياسية تسبق المواجهة بين الدولتين.
زيارة مستشار العاهل السعودى أحمد الخطيب إلى مشروع سد النهضة بإثيوبيا تأتى فى أقل تعبير كخطوة استفزازية ليس فقط للنظام السياسى المصري، وإنما لجميع المصريين؛ فقد كانت الرسالة السعودية واضحة ومباشرة للشعب المصرى مفادها (سندعم مشروع تعطيشك وحرمانك من نهر النيل أيها المصرى ما لم يكن نظام حكمك تابعاً لإرادتنا ومنفذاً لرغباتنا)، مع العلم أن تلك الزيارة لم تكن الأولى لأديس أبابا فقد سبقتها بأيام زيارة وزير الزراعة السعودي.
نُدرك أن خلافاً سياسياً قائما بين القاهرة والرياض بشأن الملفين السورى واليمني، لكن هذا الخلاف فى الرؤى لا يتعارض مع مصالح الأمن القومى السعودى ولا يهددها استراتيجياً أو حتى مرحلياً؛ بل إن الأيام ستثبت أن الرؤية المصرية لملفى الخلاف تحافظ على أمن واستقرار نظام الرياض، الذى يعانى من هجمات المنظمات الإرهابية ويدعم مترادفات لها بسوريا، وفى المقابل ذهبت الرياض إلى المنطقة الحساسة لأمننا المائى وراحت تلوح لنا نحن المصريين بشارات التهديد لمصالحنا القومية على المستوى الاستراتيجي؛ ويبدو أن الرياض لا تدرك أن هذه الطريقة لن تُقبل كلغة فى إدارة العلاقة مع مصر، سواء على المستوى الرسمى أو الشعبي، بل إن الأخير استقبلها بالفعل كرسالة عدائية؛ وهو ما يجعله فى موقف المذهول أو المصدوم فى رد فعل شقيقه بسبب خلاف بسيط، خاصة أن الصغير قبل الكبير فى مصر وإثيوبيا يعلم تماماً أن النظام فى مصر قادر على حماية مصالح بلاده وأمنها القومى والمائى بكافة السبل. المؤكد أن خسائر المملكة السعودية ستكون فادحة فى علاقتها مع مصر على المستوى الشعبي، إذا استمرت فى هذا النهج ولا أظن أن دولة فى المنطقة العربية ترى مصالحها تتحقق باستعداء المصريين ولا حتى الدولة العبرية التى نعتقد أن عداءنا معها تاريخي.
وبمناسبة إسرائيل لم نعرف فى تاريخ الدول العربية قاطبة من جرؤ على استفزازها وتهديدها بفعل أو حتى التلويح بخطوة عدائية تجاه مصالحها الاستراتيجية، ولم نر طوال عمر القضية الفلسطينية سوى خطب عنترية، حولها المصريون بعبقريتهم إلى مادة للسخرية من النضال الشفهى العربى وأصبحت من أشهر نكاتهم «العرب بيقولوا هنحارب العدو الصهيونى إلى آخر جندى مصري».
المصالح الاستراتيجية التى تجمع الرياض والقاهرة أكبر وأهم من مصالح أخرى قد تراها الرياض مع دول مثل تركيا؛ فقد خسر السعوديون رهانهم على التحالف مع أنقرة؛ فها هى الأخيرة تخرجهم من المعادلة السياسية فى سوريا بعد تحالفها مع روسيا وإيران وتخليها عن وعودها للرياض.
والمؤكد أن الوضع كان سيصبح مختلفاً لو أن المملكة حافظت على سياسة التنسيق والتفاهم مع المصريين فى كل ملفات المنطقة، ولم تعتبر المساعدات الاقتصادية نقطة ضعف تجعل المصريين مجرد منفذين لأجندة سياستها الخارجية؛ لا سيما أن التمسك بالدولة السورية الموحدة غير مُقسمة إلى دويلات هدف مصرى سعودي، ثم إن جوهر الخلاف يكمن فى رفض مصر الاعتراف بالجماعات الإرهابية المُسلحة كجزء من المعادلة السياسية السورية، والمُستغرب حقاً أن تُصر المملكة على دعم هذه الجماعات التى تدفع حتماً إلى تقسيم سوريا بدعم أجهزة الاستخبارات الغربية.
السعوديون كشروا عن أنيابهم لمجرد مصافحة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى نظيره الإيرانى جواد ظريف، فى المقابل لم تغضب القاهرة من تحالف الرياض مع الإردوغان الداعم للإرهابيين فى مصر، علاوة على أن العلاقات الاقتصادية والتجارية المتينة والثابتة بين معظم دول مجلس التعاون الخليجى مع إيران لا تحرك مشاعر الغضب والانفعال لدى صانع القرار السعودي. اعتبارات الأخوة ليست الدافع الوحيد أو الأقوى للمساعدات الخليجية لمصر، ذلك أن ضمان أمن واستقرار الخليج لا يتحقق بدون القاهرة، فيما للأخيرة أكثر من ظهير يحقق مصالحها الاقتصادية مع الاعتراف بأهمية الخليج العربى سياسياً وجغرافياً.