بقلم – حنان أبو الضياء
«أم كلثوم».. أيقونة المجد.. قاهرة الزمان.. شادية العرب من المحيط إلى الخليج.. هل تذكرون وحدة العالم العربى فى ليلة الخميس الأول من كل شهر؛ حينما كانت أم كلثوم تشدو فى حفلتها الشهرية الشهيرة.. هل يستطيع الإنسان أن يمشى فى آى شارع بمدينة عربية حينذاك من المحيط للخليج بدون سماع صوت أم كلثوم تغنى فى الراديو ويستمع إليها كل العرب؛ ولم يقف دور الرائعة أم كلثوم وارتباطها بعروبتها عند حد أن تكون خير سفير لها بأغانيه؛ بل وبعطائها الفنى والانساني.
“أم كلثوم ” مغنية كل العصور لأنها مثل كل مصرى بسيط مرتبطة بمصر وليس بحكامها؛ بل إن حكام مصر كانوا يجدون فى حنجرتها جواز المرور إلى قلوب الملايين؛ لذلك لم يكن غريبًا علاقتها القوية بالملك فاروق ورجال الثورة فى نفس الوقت؛ لذلك عندما غنت كوكب الشرق أغنية ليلة العيد فى حفل لها بالنادى الأهلى فى شهر أغسطس عام 1944، وبعد صعودها على المسرح فوجئت بالملك يدخل إلى الحفل، فغنت الأغنية من القلب ابتهاجًا بقدوم الملك والعيد معًا، ما جعل الملك فاروق ينعم عليها بنيشان الكمال الذى لا يمنح إلا لأميرات العائلة المالكة.
وكان لكوكب الشرق أم كلثوم علاقة وثيقة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكانت تحبه وتقدره كثيرًا، وفى كل الأزمات التى مرت بها مصر فى عهده مثل: العدوان الثلاثى 1956 ونكسة يونيو 1967 كان لها دور لا ينسى فى دعم النظام ورئيسه.لم يكن أول لقاء بين أم كلثوم وجمال عبد الناصر بعد توليه رئاسة الجمهورية عام 1954م، كما يتخيل البعض، بل كان أول لقاء جمعهما عندما كانت تستقبل الجنود المصريين بعد عودتهم من حرب فلسطين عام 1949م.وكان فى مقدمة الضباط الأبطال الذين كانت تتعرف عليهم كوكب الشرق أم كلثوم الضابط الشاب جمال عبد الناصر، وفى هذا اللقاء شعرت أم كلثوم بإخلاص شديد ووطنية لا حدود لها فى عين جمال عبد الناصر، بعد قيام ثورة يوليو وتولى محمد نجيب ثم عبد الناصر الحكم، كانت أم كلثوم فى قمة سعادتها، وقدمت للثورة مجموعة من الأغانى الشخصية للزعيم شخصيا…وعلاقتها بالسادات بدأت عندما قام في نهاية الخمسينيات بإيصالها إلى سلم الطائرة بأمر من عبد الناصر عندما ذهبت للعلاج من مرض الغدة الدرقية في أمريكا… وعندما تولى السادات كان مثل غيره من الملوك ورؤساء الدول يقدرها ويجلها وخاصة أنه كانت سفير فوق العادة لمصر يهب الزعماء فى العالم العربى إلى استقبالها وتوديعها والتقاط الصور التذكارية معهم عندما كانت تزور بلداً من البلدان. لذلك أعتقد أنه لاصحة الى لما قيل عن زيارة أم كلثوم لأنور السادات كي تهنئه بالرئاسة، إذ قالت له (مبروك يا أبو الأنوار بقيت الريس) مما أثار حساسية جيهان السادات فأشعلت المعارك ضدها فيما بعد.
و”أم كلثوم ” المصرية الوطنية فعلت لمصر الكثير ؛والجميع يذكر أنها بشتى الطرق جمعت الاموال للمجهود الحربى فبعد نكسة مصر في حربها مع إسرائيل – 1967 – أقامت أم كلثوم وللمجهود الحربيّ حفلات بمختلف الدول العربية باستثناء الجزائر الى جانب حفلتها الشهيرة فى فرنسا. في ليلة الأربعاء 15 نوفمبر 1967 وغنت أم كلثوم على مسرح (الأولمبياد) في باريس، (الأطلال)، والطريف انها سقطت من علي خشبة المسرح فقبل الشباب الفرنسى قدمها …هذا الحفل كان كان تأثيره السياسى أقوى من مجرد جمع الاموال كتبت صحيفة الأورو الفرنسية أنها مثلت للعرب ما مثلته اديث بياف للفرنسيين إلا أن عدد معجبيها أضعاف عدد معجبي اديث بياف. وكتب بيجل كاربيير في صحفية الفيجارو أنه برغم أن الأوروبيين لم يفهموا الكلمات إلا أنها وصلت إلى روحهم مباشرة. وصحيفة التايمز كتبت أنها من رموز الوجدان العربي الخالدة. صحيفة زيت دويتش سايتونج الألمانية كتبت أن مشاعر العرب اهتزت من المحيط إلى الخليج. الصحف العربية وبعد انتهاء حفلاتها بباريس بعث لها الرئيس شارل ديجول بمبعوث من قصر الرئاسة إلى فندق جورج الخامس، وقال لها وهو يحيها لوجودها فى باريس ويقول لها “أنت ضمير أمة”، وسلمها رسالة من الرئيس ديجول كتبها بترلان، أشهر مناضل فرنسى ضد الاحتلال الألمانى بخط يده.
كما زارت روسيا لهذا الغرض ، لكنها قطعت زيارتها ، بعد أن بلغها نَعْيُ جمال عبد الناصر ، وعادت فورا إلى مصر .وقد أقامت في تونس حفلين . وحفلا خاصا بمناسبة توسيمها من طرف زوجة الرئيس السابق بورقيبة….وهناك مقالة للكاتب فرانسوا باسيلى عن الوطنية الصادقة والعالمية الواثقةلأم كلثوم يقول فيه : لم يمنع اهتمام ام كلثوم الفائق والكلى بعملها وفنها ان تكون منتمية كلية لوطنها المصرى والعربى فقد قدمت اكثر الاناشيد الوطنية توهجا وحماسا عام 56 عندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثى من اسرائيل وانجلترا وفرنسا بل وتحول نشيدها والله زمان يا سلاحى من الحان كمال الطويل الى سلام مصر الجمهورى فى ذلك الوقت قبل ان يتغير فى عهد السادات الى موسيقى بلادى بلادى للعبقرى سيد درويش. وكان لاغنيات ام كلثوم الحماسية اكبر الاثر فى مد المشاعر الوطنية المتدفقة للمصرين جميعا بالذخيرة الروحية الوجدانية التى ساعدتهم على المقاومة والتحدى والتى ظهرت فى اوجها فى المقاومة الباسلة لاهالى مدينة بورسعيد.وعندما وقع العدوان الاسرائيلى عام 67 واستطاع كسر الجيش المصرى واحتلال سيناء وتهديد باقى المدن المصرية قامت ام كلثوم بتحويل عملها الغنائى الى حركة مقاومة فنية لا تكف عن العمل ليلا ونهارا. وقررت ان تكون كل حفلاتها لصالح المجهود الحربى لاعادة بناء الجيش وهو ما كان قد قررته الثورة التى لم تعلن الاستسلام بل شنت من موقع ضعف عسكرى واضح حرب استنزاف باهظة التكلفة بهدف الابقاء على الروح القتالية للجيش والشعب معا حتى لحظة تحرير الارض.. وهو ما حدث فعلا بعد ذلك فى حرب العبور الباهرة التى احتفلت بها ام كلثوم مع بقية الشعب المصرى.
ولم تكن وطنية ام كلثوم منغلقة متعصبة فقد كان العهد الناصرى عهد انفتاح على العالم لتاسيس حركة عدم الانحياز وحركة الدول الافريقية الاسوية والتحالف مع جميع حركات التحرر فى العالم. واصرت ام كلثوم على عدم الغاء حفلاتها بفرنسا رغم ضربة 67 فقامت بها فعلا. كما زارت عددا من الدول العربية تغنى فيها لصالح المجهود الحربى فمنحها عبد الناصر جوازا دبلوماسيا باعتبارها سفيرة على اعلى مستوى وكان هذا تاكيدا لواقع حى كانت تستقبلها الدول فيه كما يستقبل الملوك والرؤساء.. وهى مكانة لم يعرفها مطرب او مطربة عربية او اجنبية اخرى فى تاريخ الفن.وتضرب ام كلثوم بهذا كله مثالا لحاضرنا العربى الراهن ان الوطنية الصادقة لا تتعارض مع العالمية والانفتاح شرط ان تظل مخلصة لنفسها ولاهدافها الوطنية.
ويمكن القول ان ام كلثوم مثلها مثل عبقرى الادب المصرى نجيب محفوظ لم يكن لها او له ان يصل الى العالمية الا عن طريق المحلية اى عن طريق ابداع ينغمس فى الوجدان الشعبى ليعبر عن الام وامال الروح الانسانية فى الانسان المصرى بكل خصائصه المحلية المميزة من لغة وفكر ومزاج ووجدان وتدين ومرح وحب للحياة.. فلا يستطيع فنان او مفكر او سياسى ان يتنكر لوطنه ومجتمعه ثم يصبح عالميا. ان الوطنية هى الطريق الى العالمية. ,ويستكمل باسيلى أن الوحدة العربية الوجدانية لعبت فيها أم كلثوم دور كبير ففى احد لقاءات عبد الناصر بام كلثوم وكان بينهما تقدير كبير متبادل بل ومحبة شخصية وانسانية ومصرية حميمة قال لها فى نبرة حزن وامتنان فى نفس الوقت “لقد استطعت يا ام كلثوم تحقيق ما فشلنا نحن فى تحقيقه” ولما تساءلت ام كلثوم فى دهشة ما هذا ياريس ؟ قال عبد الناصر وكانه يلفظ اسم حلم جميل صعب المنال “الوحدة العربية” ثم قال انه فى ليلة الخميس الاول من كل شهر حين تغنى ام كلثوم حفلتها الشهرية الشهيرة يستطيع الانسان ان يمشى فى اى شارع لاية مدينة عربية من المحيط للخليج فيسمع صوت ام كلثوم تغنى فى الراديو يستمع اليها كل العرب بنفس الشغف واللهفة والتجاوب الوجدانى.
والحقيقة ان وحدة الوجدان العربى هو الواقع الملموس والمضئ فى ظروف الظلام والتيه العربى الحالى فهناك وحدة عربية وجدانية لا لبس فيها اليوم تظهر فى مظاهر ابداعية فنية وفكرية وثقافية. وكانت ام كلثوم هى احدى الارهاصات الاولى لها. كما تظهر ايضا فى التجاوب الجماهيرى فى الشوارع العربية للقضايا العربية الدامية اليوم فى فلسطين والعراق وكل ارض عربية اخرى تعانى الاحتلال او الظلم والطغيان والفساد والقهر.. وفى المشاركة الوجدانية فى كل نصر حضارى او سياسى او ثقافى او حتى كروى على ندرة هذه كلها فى اى ارض عربية.
وحينما لبت ام كلثوم امنية عبد الناصر ان يرى لها عملا مع عبد الوهاب رغم ان روحها التنافسية الشديدة كانت دائما تمنعها من ذلك من قبل شاهدنا لهما معا عملا بالغ الجمال هو “انت عمرى” الذى قلب المزاج الموسيقى المصرى والعربى راسا على عقب بمجرد انطلاقه.. وهكذا تقدم لنا ام كلثوم درسا اخر ونموذجا على اهمية تخطى الحواجز الشخصية التى تمنع تعاون الاشقاء وهذا ما تعانيه الاقطار العربية اليوم التى تقف فى موقع المنافسة والغيرة والخوف من بعضها البعض رغم انها لو تخطت هذه الحواجز الشخصية القطرية المصطنعة لحققت نهضة عربية وابداعا انسانيا وحلقت فى سماء ابعد واعلى….أنا أم كلثوم لازال تأثيره السياسى وغزوها للعقل الصهيونى موجودا وأخره ماذكرته صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية، من “أن رئيس بلدية القدس نير بركات أقام احتفالا خاصا لافتتاح شارع جديد فى القدس يحمل اسم سيدة الغناء العربى أم كلثوم، والتى رحلت عن عالمنا عام 1975″…. غنت وشدت أم كلثوم بأغانى وطنيه كثيرة الهبت بها حماسة المصريين و دوى صوتها مع الأحداث اللى مرت على مصر فى عصرها فغنت ” ذكرى سعد ” و ” منصوره يا ثورة أحرار ” و ” فرحة القنال ” و ” والله زمان يا سلاحى ,شمس الاصيل ,حق بلادك صوت بلدنا, مصر التى فى خاطرى وفى دمى وصوت الوطن ,نشيد الجلاء ( يا مصر إن الحق جاء) وبأبى وروحى وقصيدة مصر ,بعد الصبر ماطال وبطل السلام
والوحدة ( يا ربى الفيحاء ) ,ياجمال يامثال الوطنية و(نشيد الطيران ,) (فرحة القنال) ( ما احلاك يا مصري ),(انا فدائيون) و(ثوار ثوار )و(قم واسمعها من أعماقي )؛راجعين بقوة السلاح ,انشودة الجيش والفجر الجديد واللة زمان يا سلاحى ,مصر تتحدث عن نفسها ,نشيد الشباب ,النيل ونشيد الطيران وبغداد يا قلعة الأسود ,يا حبنا الكبيرومحلاك يا مصرى ,منصورة يا ثورة أحرار نشيد الجيش ( مشى المجد ) وقصة السد ( كان حلماً فخاطراً ) ,بالسلام احنا بدينا والزعيم والثورة ( بالمحبة والأخوة ) وشعب العراق ويا صوت بلدنا ,على باب مصر ,حولنا مجرى النيل ,قوم بإيمان وبروح وضمير (حق بلادك ) طريق واحد ( أصبح عندي الآن بندقية ) ومصر (أجل إن ذا يوم) ورسالة إلى جمال عبد الناصر بمناسبة وفاة جمال عبد الناصر 1970 ويا سلام على الأمة.