فى مثل هذا اليوم منذ ٦ سنوات رحل البطريرك محمد حسنى مبارك بعد ٣٠ سنة قضاها رئيسا وقبلها ٧ سنوات بوسطجيا للرئيس محمد أنور السادات لكن النظام الذى أرسى دعائمه البطريرك لم يرحل معه بل زاد توحشا وكلما سقطت الضحايا يصرخ هل من مزيد.
مرت ٦ سنوات وما زالت شعارات انتفاضة يناير (عيش – حرية – عدالة اجتماعية) محفوظة فى الثلاجة وما زلنا نسير فى اتجاه مزيد من الإفقار للفقراء ومزيد من المحاباة والامتيازات لرجال الأعمال وكبار رجال الدولة وصحبتهم.
فى مثل هذا اليوم ١١ فبراير ٢٠١١ أعلن الجنرال عمر سليمان تنحى الرئيس حسنى مبارك عن الحكم، وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد.
وقد ذهب الكثير من متابعى الشرق الأوسط بشكل عام، ومصر بشكل خاص، لاستنتاج أن رحيل مبارك يُعد بمثابة نجاح لانتفاضة ٢٥ يناير فى تحقيق مطالبها بإنهاء مرحلة من الفساد والقمع والسُلطوية امتدت على مدى ثلاثين عاما.
وفى نفس الوقت ارتفع سقف التوقعات – كما يقول د. زياد عقل
الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية – فيما يتعلق بدخول مصر مرحلة من التحول الديمقراطى الفعلى فى أعقاب تحرك شعبى استطاع أن يتصدى لمحاولات إجهاضه وأن يجمع بين طياته تحالفا عريضا من قوى سياسية واجتماعية متنوعة.
ولكن بعد مرور أعوام على رحيل مبارك، يُشير الواقع السياسى فى مصر إلى أن هذه التوقعات لم تتحقق على أرض الواقع، ولم تُترجم لسياسات مؤسسية قادرة على إحداث تحول نوعى فى بنية النظام السياسى المصري.
بل فى واقع الأمر، اتخذت مصر خطوات بعيدة عن الديمقراطية بمفهومها الفعلى القائم على المشاركة والإجماع من خلال التنوع والاختلاف وإفساح المجال للتعددية السياسية فى ظل سياسات تدعم الشفافية وآليات تضمن المحاسبية. ولجأت مصر فى المراحل المختلفة التى تلت انتفاضة يناير إلى عملية سياسية مؤسسية فى ظل غياب البنية الأساسية للديمقراطية، وبالتالى كانت المحصلة النهائية لهذه العملية المؤسسية هى إعادة إنتاج النخب السياسية التى عرفتها مصر على مدار عقود طويلة سواء التيار الإسلامى فى ٢٠١١ و٢٠١٢، أو رموز نظام مبارك ورجال الدولة فى مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو، سواء من خلال المشاركة المباشرة أو من خلال دعم هذه الرموز لكيانات سياسية جديدة. وكما رصدت مصادر عدة بعد أن تنحى مبارك عن الحكم تم حل الحزب الوطنى وكان مصير قيادات نظام مبارك بعد خلعهم خلف أسوار سجون طرة، والتى استمروا بها ما يقرب من أربع سنوات وقد خرج معظمهم إن لم يكن جميعهم براءة فيما عرف بمهرجان البراءة للجميع، وبعد مرور سنوات على تنحى مبارك ونظامه تصدر رجال مبارك وحزبه المشهد السياسى وأيضا الاقتصادى والاجتماعى من جديد وقد انخرط العديد من أعضاء الحزب الوطنى فى مظلة أحزاب سياسية جديدة منها المصريين الأحرار والوفد ومستقبل وطن، بالإضافة إلى إنشاء أحزاب أخرى ونجح العديد منهم فى دخول البرلمان الحالى وسيطرتهم على نحو ٣٠٪ من مقاعد المجلس.
٦ سنوات مرت على الانتفاضة وهناك إصرار على أننا فقراء وحنجيب منين بينما يمرح فى أرجاء الوطن رجال الأعمال وحلفاؤهم فى جهاز الدولة والفضائح معروفة للجميع.
فى فقرة من كتاب «كيف نهبت مصر» للخبير الاقتصادى عبد الخالق فاروق يحكى عن شركات رأسمالية المحاسيب من خلال دراسة رائدة قام بها ثلاثة من الباحثين الغربيين هم: Ishac Diwan Philip Keefer Marc Schiffbour عن أثر اقتصاد المحاسيب أو رأسمالية المحاسيب Crony Capitalism، انتهت إلى نتائج على درجة عالية جدا من الأهمية والخطورة، فبعد أن جرى تحديد المفهوم والتعريف الإجرائى للمشروعات ذات الصلة بالحكم والإدارة «PCF «Politically Connected Firms حددت الدراسة (٤٦٩) شركة يتحكم فيها (٣٢) من كبار رجال الأعمال فى مصر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على صلة بنجل الرئيس حسنى مبارك ( جمال مبارك ) وبالحكم والحزب الحاكم المنحل، وقد توزعت هذه الشركات والمشروعات على النحو التالى:
– أن هذه الشركات تتوزع بين ٢٠ شركة قابضة Holdin، والباقى شركات تابعة وفرعية.
-٤٧ شركة منها لديها واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة يشغل وظيفة مدير لها.
– ١٤٠ شركة لديها عضو مجلس إدارة واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة.
– ٣٣٤ شركة لديها على الأقل واحد من رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة.
– ١٧٢ مشروعا منها حصلت على معظم استثماراتها من صناديق استثمار تدار من جانب رجال المال والأعمال أو أكثر على صلة بالحكم والسياسة.
وقد أظهرت الدراسة كذلك نتائج جد خطيرة ومن أهمها:
١- أن هذه الشركات بينما لا توظف سوى ١١٪ من العمالة الموجودة بالقطاع الخاص المنظم، فإنها تحقق ٦٠٪ من صافى الأرباح المحققة سنويا فى هذا القطاع المنظم، كما أنها تحصل على ٩٢٪ من إجمالى القروض الممنوحة من البنوك لهذا القطاع المنظم.
٢- أن هذه الشركات وأصحابها يحصلون على الأراضى بأسعار بخسة جدا، والتى تدخل بدورها كعنصر من عناصر تقييم الأصول فى هذه الشركات، بما يقيمها ماليا واقتصاديا بأعلى من قيمتها الحقيقية، وبما يسمح بالتالى بالحصول على الائتمان المصرفى المبالغ فيه.
٣- كما تحصل هذه المشروعات المرتبطة سياسيا على حماية من المنافسة الأجنبية عبر القيود غير الجمركية Non –Traffic Procedures.
٤- كما تحصل على دعم الطاقة خصوصا للمشروعات كثيفة استخدام الطاقة «٣٦٪ منها» تعمل فى صناعات كثيفة استخدام الطاقة، و٢١٪ منها فى مشروعات منخفضة استخدام الطاقة.
٥- وتحصل هذه المشروعات على حصة أكبر فى السوق المصرية وفى الخارج، وإن لديها أعلى هوامش للأرباح، وهى وإن كانت الأكثر كثافة فى رأس المال، فإنها ليست بالضرورة الأعلى إنتاجية.
٦- وتؤدى المزايا التى تحصل عليها هذه الشركات إلى إضعاف فرص دخول السوق لدى المشروعات الأصغر حجما وبالتالى تقليل المنافسة.
٧- كما يؤدى تمويل هذه المشروعات من خلال صناديق استثمار خاصة يملكها أو يديرها رجال أعمال مرتبطون أيضا بالحكم والسياسة، إلى تكامل رأسى فيما بين هؤلاء رجال الأعمال، وبالتالى يحد من المنافسة فيما بينهم. هكذا يبدو بوضوح كيف تنشأ الميول الاحتكارية داخل الاقتصاد المصرى بسبب هذا التكامل والتواطؤ بين رجال المال والأعمال وبعضهم البعض من ناحية، وتواطؤ وصمت بل ومشاركة الدولة وأجهزتها ومسئوليها فى هذه العملية الخطيرة والضارة بمستقبل البلاد من ناحية أخرى.
٨- تزامن مع نمو ظاهرة المشروعات المرتبطة بالحكم والسياسة تنامى ظاهرة أخرى هى تزايد معدل هروب وتهريب الأموال إلى الخارج، بحيث إن قدرتها الدراسة تكون بحوالى ٥٪ إلى ١٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى المصرى سنويا.
٩- كما تبين من حيث الملكية أن (٢٨٩ شركة ) بنسبة ٦٢٪ مملوكة بواسطة عائلة أعمال واحدة، وهناك (١٨٠ شركة ) بنسبة ٣٨٪ مملوكة بواسطة عائلتين على الأقل، و٧٩ مشروعا بنسبة ١٧٪ مملوكة بواسطة أربع عائلات على الأقل، وهناك ٣٧ مشروعا بنسبة ٨٪ مملوكة بواسطة ٦ عائلات على الأقل.
تحيا مصر لكنها مصران سيادة الرئيس مصر العشة ومصر القصر.