فجأة توقفت الحياة فى مصر.. لم تتوقف بسبب موجة الغلاء غير المسبوقة فى تاريخ مصر، لم تتوقف أمام عمليات السرقة والنهب والرشوة واستغلال النفوذ، لم تتوقف بسبب نزيف المال العام المهدر كل دقيقة، لم تتوقف أمام عمليات الإرهاب وإعلان الدواعش «سيناء» عاصمة لدولتهم المزعومة، بدلا من «الرقة». لم تتوقف أمام حالات التحرش الجنسى بالنساء التي جعلت مصر تحتل المركز الثانى بعد دويلة أفغانستان، لم تتوقف أمام حالات الاغتصاب التى وصلت إلى «الرضع»، لم تتوقف أمام مغتصب طفلة «البامبرز»، وهو يقول للمحكمة إنه صلى العشاء وأخذها على العشة، لم تتوقف أمام الفتاوى الشاذة للشيخ برهامى من جواز القاصرات حتى مفاخذة الرضع.
لم تتوقف الحياة فى مصر أمام كل هذا، لكنها توقفت أمام الدكتورة منى البرنس أستاذة اللغة الإنجليزية، بكلية الآداب جامعة السويس، بعد أن عبرت عن حريتها ونشرت عبر صفحتها التى لا يراها إلا أصدقاؤها بموقع «فيس بوك»، مقطع فيديو، تظهر فيه وهى ترقص بالجلابية فى الهواء الطلق فوق سطح منزلها، على أغنية الفنانة روبى «ليه بيداري» وكأنها جريمة، رغم أن الجريمة الحقيقية هى من سمح لنفسه بسرقة صور وفيديوهات الدكتورة منى ونشرها دون إذن منها.
هاج الناس فى بر مصر، واشتعلت جامعات مصر بذاك السلوك المنافى للتقاليد الجامعية، وانتفضت عميدة كلية الآداب ومعها قيادات جامعة السويس، حتى أصدر رئيس الجامعة قرارًا على الهواء بوقف الدكتورة منى البرنس وإحالتها للتحقيق برضه حفاظًا على التقاليد الجامعية.
تلك التقاليد التى تبيح سرقة الأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراة، تلك التقاليد التى تجبر الطلاب على شراء كتب الأساتذة، وإلا كان المصير معروفًا، تلك التقاليد التى تسمح بترقيات وتعيينات ما أنزل الله بها من سلطان إلا المحسوبية والواسطة وقبل كل شىء صلة الدم.
تلك التقاليد التى تغض البصر عن عشرات ومئات من حالات التحرش بالطالبات وإجبارهن على المعاشرة الجنسية مقابل بضع درجات للنجاح أو نيل الدرجات العلمية، وهو ما سجلته عشرات ومئات المحاضر الجامعية أو أقسام الشرطة، وهو ما دفع أيضا إلى اضطرار بعض الجامعات وأولاها جامعة القاهرة إلى إنشاء وحدة داخلية لمواجهة حالات التحرش التى انتشرت فى جميع جامعات مصر ذات التقاليد العريقة.
وسبق أن أعلن أكثر من مرة د. جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة أنه تلقى العديد من البلاغات من طالبات تعرضن للتحرش الجنسى من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس، وشدد على إحالة الأساتذة للتحقيق من أجل ضمان الحفاظ على الجامعة، وقد أعلنت جامعة القاهرة عن حزمة من السياسات للحد من انتشار جرائم العنف الجنسى داخل الحرم الجامعى بعد تأسيس وحدة مكافحة التحرش داخل جامعة القاهرة.
المثير فى قصة الدكتورة منى أنها نشرت على صفحتها على مدار سنوات طويلة كثير من تلك الصور والفيديوهات، إذن لماذا كل هذا الهيجان الآن الإجابة جاءت بالخطأ على لسان عميدة كلية الآداب بجامعة السويس فى ذات برنامج وائل الإبراشى، أن الدكتورة منى البرنس، تناقش موضوعات تحدث جدلًا وبلبلة فى الجامعة!.
ولمن لا يعرف الأستاذة الدكتورة منى برنس بالإضافة إلى أنها أستاذة اللغة الإنجليزية بالجامعة هى كاتبة وروائية ومترجمة ومثقفة من النوع الثقيل.
ولأنها تمتلك رؤية تنويرية متحررة.. يتهمها بعض زملائها وبعض طلابها وطالباتها أنها تقوم بتدريس ما يتعارض مع تقاليد وثقافة المجتمع فى محاضراتها، على أساس أنه يجب حذف ما لا يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا فى الأدب الإنجليزى!.
الدكتورة منى لم تضبط يومًا ببيع كتب وفرضها على الطلاب أو إعطاء دروس خصوصية أو سعيها لنيل أى ترقيات، حتى إن الاتهامات لها أنها لم تتقدم للحصول على الترقيات، رغم أن أبحاث الدكتورة منى منشورة فى كثير من أعمال المؤتمرات الدولية والمجلات المتخصصة.
ولنترك للدكتورة منى المجال كى تحكى من خلال ما نشرته على صفحتها حقيقة ما يحدث تقول «منى»: «فى عام ١٩٩٩ عُينت مدرسا مساعدا فى كلية التربية بالسويس، كانت وقتها فرعا لجامعة قناة السويس فى الإسماعيلية، ورئيس القسم وقتها كان عضوًا بجماعة الإخوان الإرهابية، كان بيحاول يهدينى للحجاب ويخلينى أصلى جماعة معاه وباقى المعيدين والمدرسين المساعدين، وكان معظمنا بنات ولم يكن يسلم باليد فى السويس، ولكن بيسلم وممكن يحضن عادى فى الجامعة الأمريكية».
وتكمل منى قصتها مع رئيس قسمها: «وإن رفضت كان بيخلينا ندرس مواد اللغة ونضع الامتحانات ونصحح وهو يقبض، ومع الوقت رفضت أعمل كدة، وكنت بجيب تخفيض على الروايات اللى بدرسها للطلبة من مكتبة الأنجلو المصرية، ولما الكتب تيجى يبيعها بضعف الثمن للطلبة، اعترضت على ما يحدث وحاجات كتير، كانت النتيجة أنى لما أخدت الدكتوراه عطل تعيينى فى درجة مدرس ٦ أشهر واتلكك على حاجات واتحولت للتحقيق».
وتتابع «بعد الثورة فى أكتوبر ٢٠١١ عاد الأستاذ وتولى رئاسة القسم وبدأت كمية إشاعات تظهر منها أننى ملحدة وبهائية وبتكلم فى الجنس وبدرس روايات جنسية مصورة، وبعدين بقيت قوة ثورية هدامة».
وأكدت منى: «طلب منى أقدم إجازة رعاية والدين، قدمتها ورفضت ووزعوا جدولى على أساتذة منتدبين، رجعت عشان آخد جدولى، رفض رئيس القسم، واعتبرت منقطعة عن العمل وظللت ٦ أشهر بدون مرتب ورجعت بإنذار على يد محضر للجامعة».
وأوضحت منى: «رئيس القسم اترقى وبقى وكيل كلية، وبعدين بقى عميد كلية ثروة سمكية، وفى ٢٠١٣ العميدة الجديدة، بدأت تمارس نفس الاضطهاد على، ولما طلبت منها توفر لأعضاء التدريس ما يمكنهم من القيام بعملهم، مثل مياه فى دورات المياه، وكمبيوتر طابعة، إنترنت، أتوبيس جامعة، سكن ملائم، قالت لى: «قولى الكلام دا لرئيس الجامعة»، وقولتلها حضرتك مفروض ترفعى الكلام دا للعميد ومنه لرئيس الجامعة».
وأضافت: «كتبت ما حدث بينى وبينها على فيس بوك فتمت إحالتى للتحقيق بتهمة سب وقذف رئيسة القسم، مع صور من مقاطع من روايتى، إنى أحدثك لترى إضافة للتهمة الرئيسية تهمة ازدراء الإسلام، لأنى فى واحدة من المحاضرات القائمة على الحوار طلبت من الطلبة نتناقش فى موضوع الفتنة الطائفية والتمييز العنصرى، ودا كان حديث الساعة، وفى النهاية بعض الطلبة اشتكوا بتحريض من بعض الأساتذة الزملاء الكرام، وأحلت للتحقيق، وتم وقفى عن العمل، وخرجنى وكيل الكلية من محاضرتى قدام الطلبة، واتحولت لمجلس تأديب كانت نتيجته لومًا فى الآخر وإنه ما يصحش اتكلم على الشيخ محمد حسان».
وأوضحت الأستاذة بجامعة السويس، «والآن قام البعض بنشر صورى بالمايوه، صور على مدار ١٠ سنين وفيديو رقص على سطح بيتى فى قرية فى الفيوم موجود على صفحتى الشخصية لأصبح متهمة على ما أقوم به فى حياتى الشخصية».
وأوضحت أنه لا توجد أى إهانة للجامعة أو الطلبة بسبب فيديو الرقص، متسائلة: هل ما نقصده بالتقاليد هو التقاليد المصرية العريقة منذ الفراعنة أم تقاليد الوهابية الوافدة علينا لأنه يوجد اختلاف؟.
وتابعت منى البرنس: «ما لفت نظرى التعليقات الخاصة بتدريس الأدب الإنجليزى، فالبعض قال إنى أدرس قصصًا تنافى قيمنا الشرقية»، قائلة: «بعض الطلبة دخلوا كلية الآداب وقسم الإنجليزى غلط من الأساس ويعدلوا على الأساتذة».
وأكدت منى أن الغريب فى قضيتها هو علمها بقرار إحالتها للتحقيق من مواقع التواصل الاجتماعى لأن المسئولين بالجامعة لا يردون على اتصالاتها نهائيًا.
وكانت منى قد تساءلت فى حوارها مع وائل الإبراشى ببرنامج «العاشرة مساء» على قناة دريم: هل من التقاليد الجامعية أن هناك تحرشات تتم بالطالبات فى الجامعة ويتم السكوت عنها؟، موضحة أن هناك أساتذة جامعيين يشنون حملات ضدى وفى نفس الوقت يتحرشون بالطلاب، ويُسأل فى ذلك الطلبة.
انتهى كلام منى البرنس لكن المهزلة لم تنته فصولها بع