يبدو أن شهر رمضان سيظل لوقت طويل مناسبة نترحم فيها على التليفزيون المصري، بعد أن كان جزءا كبيرا من بهجة الشهر الفضيل لما يقدمه من برامج ومسلسلات تروى ظمأ الصائم وتسد جوعه بالترفيه والمتعة العقلية والروحية.
وأخشى أن تكون قناة «ماسبيرو زمان» التى أطلقها اتحاد الإذاعة والتليفزيون لإعادة بث البرامج والتمثيليات القديمة، نصبا تذكاريا نبكى عنده أطلال ماسبيرو نجتر معه ذكرياتنا فى ليالى رمضان وغيرها ساعين لاستعادة مشاعر وحالة وجدانية تعجز كل الفضائيات المصرية العامة والخاصة عن صناعة أجوائها.
بتلقائية وجدتنى أتجه إلى قناة ماسبيرو زمان لمتابعة مسلسلات وفوازير وبرامج رمضان عندما كان له طعم، فى محاولة للهروب مما تبثه فضائياتنا من ملل وعنف وكراهية وإحباط وكوميديا سخيفة.
أغلب المحطات ملأت ساعات البث بالمسلسلات والفقرات الإعلانية وهذا فى حد ذاته عنوان لفشلها الكبير فى صناعة برامج ترفيهية وثقافية وفنية ودينية تستطيع كسب الجمهور، رغم ما تمتلكه من إمكانات مادية وفنية هائلة لم تكن تتوفر للتليفزيون المصرى فى أيامه الغابرة.
علاوة على ذلك معظم المسلسلات تفيض بالكآبة والعنف إذا كانت موضوعاتها من النوع الجاد، وتتسم بالتفاهة والسخافة إذا كانت من النوع الكوميدى حتى أنها تفشل فى انتزاع الضحك من الأطفال.
ولم تنج الإعلانات من بث تلك الطاقة السلبية، فمن ناحية تطول الفواصل الإعلانية بين مشاهد المسلسل إلى حد يشعرك بالملل والضجر لأنك تكاد تنسى ما كنت تشاهده، ومعظمها خاصة المرتبط بدعاية الجمعيات والمؤسسات الأهلية يحاصرك بأحاسيس الاكتئاب والإحباط، حتى أن إحداها تبشرك بإصابة إحدى قريباتك بالسرطان، وأخرى شوهت أجمل أغانى محمد فوزى للطفل.
هذا النوع من الإعلانات وبسبب حجم المنفق عليه مع كثرة الإلحاح يجعلها تنفر المتلقى ويفقد تعاطفه مع الجمعية أو المؤسسة وقد يمتنع عن التبرع إليها لإحساسه أن أمواله تُنفق على الدعاية من أجل تسول المزيد منها.
أما عن برامج «المقالب» و«الكاميرا الخفية» فحدث ولا حرج، لا أعرف من المستفيد من جعل الاستمتاع بخوف البشر وإرعابهم مجالا للتسلية ولهوا للأطفال.
قبل أيام سمعنا عن تهمة نشر مشاعر الإحباط واليأس، وأظن أن ما تبثه أغلب فضائياتنا ينطوى على جريمة متكاملة الأركان من هذا النوع، بخلاف جريمة نشر ثقافة العنف والتسول والكراهية.
ما يقدمه الإعلام المصرى فى رمضان يؤكد أننا أمام مشكلة حقيقية عنوانها الرئيسى افتقاد الخبرات القادرة على صناعة إعلام الشاشة الفضية.
ومجددا أدعو نقابة الإعلاميين والهيئة الوطنية للإعلام إلى وضع معايير صارمة فى اختيار العاملين فى الفضائيات وأن يتلقوا دورات تدريبية فى كيفية صناعة البرامج واختيار ما تقدمه، وعدم الاعتماد على الصحفيين الذين أثبتت التجربة نجاحهم فى صناعة الصحف، وفشلهم فى صناعة الإعلام المرئى.
كاتب هذه السطور من المتحيزين لمبدأ التخصص وأن يعمل كل فى «كاره».