بشكل حاسم قال الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، إنه لا يوجد أحد يستطيع المساس بمياه مصر، مشددا على أنها «مسألة حياة أو موت»، وهو تصريح مكثف يحمل في طياته الكثير من الدلالات بعد تعثر المفاوضات على نهر النيل بين مصر وإثيوبيا والسودان حول بناء سد النهضة الإثيوبي، الذي شارف على الانتهاء.
لقد حرص الرئيس على عرض وجهة نظر مصر حول القضية أمام العالم، وكأنه يتحسب ليوم قد تضطر فيه مصر إلى تدويل القضية والاحتكام إلى الاتفاقيات الأفريقية الخاصة بسد النهضة وأهمها تلك التي تم توقيعها في أعوام 1959، و1998 و1990….
وقال «السيسى» في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إن مصر كانت حريصة على حل أزمة سد النهضة في إطار قانوني عبر إطلاق مبادرة حوض النيل عام 1999، وسعت للتوصل للاتفاق الثلاثى بين مصر والسودان وإثيوبيا لمعالجة قضية سد النهضة من منظور تعاوني..
وأضاف «السيسي» أنه وفقاً لمبادئ القانون الدولي، والقواعد المستقرة لتنظيم العلاقة بين الدول المتشاركة في أحواض الأنهار العابرة للحدود في مختلف أنحاء العالم، أن هذا الاتفاق يظل الإطار القانوني القادر على منطق التعاون والتشارك بين الدول الثلاث متى خلصت النوايا، وتم الالتزام بتطبيقه التزاماً كاملاً ونزيهاً.. لكن النوايا لم تكن خالصة، وإنحازت السودان إلى إثيوبيا!.
وبدى واضحا أن هناك مؤامرة مكتملة الأركان يقودها مثلث الشر المكون من (قطر وتركيا وإسرائيل) للإضرار بحصة مصر من مياه النيل، فسد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق تصل سعته التخزينية لـ74 مليار متر مكعب، وهذه الحصة المائية مساوية تقريبا لحصتى مصر والسودان السنوية من مياه النيل، وهو ما يهدد إمداد مصر باحتياجاتها من المياه مما قد يؤدي إلى خسارة جزء من أراضيها الزراعية الخصبة.
لكن الرئيس قالها بشكل قاطع: اتكلمنا مع أشقائنا في السودان وإثيوبيا على عدم المساس بالمياه، لأن المياه مش تنمية دي حياة أو موت لشعب كامل، والموضوع ده خلصان، كده خلصت!!.
لقد أكد السيسى في الأمم المتحدة، أن مصر تحترم حقوق الدول في التنمية بدون الإضرار بمصالحها الخاصة حيث إن النيل يمثل 95% من مصدر المياة المصرية.. ثم عاد وأكد ـ مرة ثانية- احترام مصر لتنمية الدول، خلال افتتاح مشروع مزرعة سمكية بمحافظة كفر الشيخ، وقال ليطمئن الشعب المصرى، إن مياه مصر موضوع ليس فيه نقاش، وأطمئنكم… لا أحد يستطيع أن يمس بمياه مصر، وتحدثنا مع أشقائنا في السودان وإثيوبيا من البداية على 3 عناصر منهم عنصر عدم المساس بالمياه.. لكن الواقع ليس مطمئنا على الإطلاق!.
لهجة الرئيس الحادة، وملامح الغضب المرسومة على وجهه، كلماته الباترة.. جميعها تنذر بأن رياحا عاتية ستعصف بالموقف، خاصة بعد انسداد قنوات التفاوض، بعدم تحفظ إثيوبيا والسودان على التقرير الذي أعده المكتب الاستشاري الفرنسي حول سد النهضة، وانتهاء الاجتماع الثلاثي لوزراء مياه الدول الثلاث، في القاهرة، دون التوصل إلى توافق حول تقرير المكتب الاستشاري.. واحتمالات تشغيل سد النهضة، المتوقع العام المقبل، مما يؤدى إلى خفض كمية المياه التي تصل إلينا.
هل نتوقع من بعض دول الغرب التي تدير مؤامرة لتجويع مصر، باحتضان التنظيم الدولى للإخوان، ومحاصرة السياحة الوافدة إلينا، أن تساند مصر في حالة تدويل القضية؟… هل نتوقع «مواجهة» مع «قطر وتركيا» على الأراضى الإثيوبية؟.. هل يملك أحد فك شفرة طبيعة «المواجهة» القادمة وتحديد آلياتها؟!.
لقد صدر عن «مجلس الشعب» في عهد «مبارك» نبوءة في هيئة دراسه تؤكد أن الحرب القادمة في المنطقة سوف تكون بسبب المياه.. وبعدها استغلت إثيوبيا إحداث ثورة 25 يناير 2011، وما استتبعها من انشغال مؤسسات الدولة الحاكمة في الحفاظ على كيان الدولة وعدم سقوطها، فأسرعت ببناء سد النهضة.. فبعد الثورة جاء المعزول «مرسى»، بكل ما يحمله من غباء وتآمر وخيانة، وذهب كرئيس يمثل مصر إلى إثيوبيا للمشاركة في القمة الأفريقية، بمناسبة اليوبيل الذهبى لتأسيس الاتحاد الأفريقى، وبعد عودته بأربع وعشرين ساعة بدأ بناء «سد النهضة»، وصرح الدكتور «محمد بهاء الدين»، وزير الرى والموارد المائية ـ آنذاك- لإذاعة «مونت كارلو» بأن مصر لم تعارض مطلقاً مشروع سد النهضة الإثيوبى، باعتباره مشروعاً تنموياً، وهو التصريح الذي تم استغلاله سياسيا.
ثم كان اللقاء «السرى المعلن»، الذي فضح القوى السياسية المحيطة بالإخوان، والذى هدد فيه «مرسى» بضرب سد النهضة في حال استمرار إثيوبيا في بنائه.. فهل تتحول النبوءة إلى حقيقة ويتحول التصريح الذي اعتبرناه هزليا إلى واقع؟!.. أم أن المجتمع الدولى كفيل بفرض تنفيذ ما وقعته إثيوبيا من اتفاقيات متعددة تحفظ لمصر حقوقها في مياه النيل؟.