كل شىء تم فى لحظات وبمنتهى الدقة، أتحدث عن تفاصيل استقبال الوفود الصحفية فى مهرجان «دبى»، مثل هذه اللمحات البسيطة التى قد يراها البعض عابرة إلا أنها تشبه ضربة البداية، تلعب دورها الاستراتيجى لصالح المهرجان وتمنح الضيوف انطباعا إيجابيا.
أكتب هذه الكلمة قبل افتتاح الدورة رقم 14 بعدة ساعات، هذا المهرجان الذى شاهدت مولده عام 2004 ولم أخلف موعدى معه، أحرص على ضبط جدولى على فعالياته، فأنا وربما مع عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من النقاد والمهتمين بالشأن السينمائى فى عالمنا العربى لم تفتهم دورة من هذا المهرجان، وفى كل مرة أراه يكتسب أرضا جديدة ويحقق أيضا أهدافا عزيزة المنال، وتزداد سنوات الألفة والعشرة بيننا.
لمهرجان «دبى» مكانته المتميزة على الساحتين الدولية والعربية، والأمر لا يمكن النظر إليه بمقياس مادى مباشر، بالتأكيد هناك قوة اقتصادية وإرادة سياسية داعمة للمهرجان، دولة تُدرك أهمية أن تُصبح هذه التظاهرة السينمائية عُرسا فنيا ينطلق من «دبى» ليترقبه الوسط الثقافى كله، المهرجان أحد أسلحة القوة الناعمة، هناك مناخ يسمح بإنشاء سوق قوية تتواجد من خلالها شركات الإنتاج، ومن هنا يُصبح من حق السينمائى أن يحلم بمشروعه القادم، ولا يتوقف فقط خياله عند تسويق فيلمه الذى جاء به إلى «دبى»، ليس كل من يشارك فى المهرجان يحمل بالضرورة فيلما، ولكن من الممكن أن يحمل فكرة قابلة للاكتمال، فتجد من يحتويها لتصبح فى العام التالى شريطا سينمائيا يتنافس على اقتناص الجوائز، هناك رهان على الشباب وإبداعهم البكر، ولم يغادر المخضرمون المشهد، لأن الإبداع لا يعترف إلا بشباب الرؤية الفنية وليس بسنوات العمر فى جواز السفر. الصفة العربية هى الغالبة، رغم أنه مفتوح لكل أفلام العالم، إلا أن الرهان العربى بما ينضوى تحته من خليجى وإماراتى يحتل مقدمة «الكادر».
شاشات متعددة تملك الحقيقة والجاذبية، وفى نفس الوقت لديها الذخيرة الحية من الأفلام التى تنتعش بها العديد من التظاهرات المفتوحة أيضا للجمهور، وأثبتت التجربة أن هناك مناخا صحيا ساعد المهرجان على تهيئته، فصار جاذبا لرؤوس الأموال.. أسفر عن العديد من الأفلام الروائية والتسجيلية والقصيرة التى تتوالد بأيدى فنانين من كل العالم العربى، وجدوا أن سوق المهرجان صارت منصة سنوية لتحقيق تلك الأهداف.
السينما العربية تقدم لنا أفلاما طوال العام، وبحكم تواجدى سنويا فى أكثر من عشرين مهرجانا سينمائيا ما بين عالمى وعربى ومحلى، فأنا أستطيع أن أقول لكم إن مهرجان «دبى»، الذى يأتى موعده دائما فى شهر ديسمبر، كثيرا ما يفاجئنى بعرضه أفلاما عربية أشاهدها لأول مرة، وبينها أيضا أفلام مصرية أكتشفها فى دبى مثل فيلم «زهرة الصبار»، وهو الفيلم الروائى الوحيد الذى يمثلنا فى المسابقة الرسمية هذه الدورة.
ملحوظة: كان لنا فى العام الماضى خمسة أفلام، التراجع قطعا يشير إلى أن مستوانا السينمائى فى 2017 يسير بخطى ثابتة «للخلف دُر».
لدى المهرجان الذى يترأسه الصديق الأستاذ عبدالحميد جمعة والصديق الناقد مسعود أمرالله، المدير الفنى، فريق عمل متكامل يستطيع العثور على كل ما هو جديد ومختلف وطازج فى السينما العالمية، حتى إننى وطوال السنوات الأخيرة أجد أن الأفلام الخمسة المرشحة لاقتناص الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، والتى تعلن عادة فى بداية العام الجديد، وقد شاهدتها قبلها بأسبوعين فى مهرجان «دبى»، أما على المستوى العربى فأنا أعتبر أن (الترمومتر) الحقيقى والصادق الذى أقيس من خلاله حال السينما العربية سنويا هو مهرجان دبى، لأنه بوتقة للأهم فى تلك الأفلام، إنه بمثابة عين الصقر التى تلتقط دائما الأجمل.
طوال الدورات السابقة وجائزة المهر العربى أراها عنوانا للسينما العربية، وأيضا لمهرجان صار راسخا وفتيا وقادرا دائما على جذب عشاقه، وهم كُثر.. ويبقى السؤال الذى طرحته فى البداية عن تواجدنا الشحيح هذا العام كسينما مصرية فى المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، وهو ما يستحق مقالا آخر!.