عجبت ممن اندهش من اعتراف الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وكأن القرار من بنات أفكاره وليس قرارا أمريكيًا اتخذه مجلس الشيوخ عام 1995.. فإن قرار ترامب ما هو إلا ترجمة لموقف واشنطن المعادى للعرب ولآمانيهم والمكمل لموقف الامبراطورية الغاربة، بريطانيا، التى انشأت إسرائيل «دولة يهودية» على انقاض الشعب الفلسطينى وحقوقه التاريخية بحيث جردت أحفاد اليهود، المسيحيين، والمسلمين، من حق المواطنة وباركت تشتيتهم وطردهم من ديارهم، بأبشع ذريعة كاذبة فى تاريخ البشرية، ارض بلا شعب، لشعب بلا إرض.
ومنذ ورثت الولايات المتحدة الأمريكية الامبراطورية البريطانية وهى تواصل ذات النهج الرامى الى تفتيت الوطن العربى الى دُويلات عرقية وطائفية.. والمحزن حقا ان نجد أصواتا مشبوهة قد حملت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مسئولية عدوان 67 الذى كانت واجهته الظاهرة اسرائيل، بينما كان السلاح امريكيا فى الأساس، وشارك سلاح الجو الأمريكى فى قصفنا وتجمع الطيارون والمحاربون من عدد كبير من الدول الغربية، وبكل أسف بتمويل عربي، وكان الهدف هو تمزيق خيمة العروبة التى كنا نستظل بها جميعا،السنى والشيعى، المسلم والمسيحى،الدرزى والعلوى،الى آخر التنويعات العقائدية والمذهبية وحتى العرقية، بحيث كنا قوة يُحسب حسابها..
بعد أن هزمنا هزيمة يونيو وبدأنا حرب الاستنزاف المجيدة التى اعتبرتها اسرائيل، أطول وأشرس وأوجع حرب خاضتها مع العرب، والتى قادت الى العبور العظيم،قامت حملة شعواء على ثورة يوليو وقائدها، وسلمنا امريكا 99% من الأوراق ومن ثم يفترض ازالة سبب عدائها لنا !!! ولكن ما حدث هو العكس، أى المضى بحماس فى مخطط التفتيت وذلك باعترافها هى على لسان كيسنجر تارة ورايس تارة أخري، فاندلعت الحروب فى اكثر من دولة عربية، ودمرت امريكا العراق واستدارت على سوريا بواسطة ادواتها الرهيبة، كداعش والنصرة وغيرها.. وكذلك فعلت بليبيا، فى انتظار الجائزة الكبرى وهو الوصف الأمريكى لمصر.
والأمر الكارثى أن مخطط التمزيق كانت تنفذه تنظيمات الاسلام السياسى، بأبشع صوره الوحشية المرعبة، كما شاهدنا وشاهد العالم بأسره،وحتى تترسخ صورة «اسلام ارهابى!!» يتمنى العالم الخلاص من شروره وقدرته على التدمير.،وهو ما لم يُعرف عن الاسلام طوال التاريخ، حيث لاذ المضطهدون فى جميع انحاء العالم بالدول العربية والاسلامية، ومنهم اليهود،بحثا عن الأمان وحسن الضيافة، وهو ما تحقق بالفعل، حتى بدأ مخطط التفتيت الذى قررته بريطانيا وتستكمله الولايات المتحدة.
وكما بات معروفا قامت ثورة يونيو فى مصر ومزقت المشروع الأمريكى الشرير إربا إربا..ولما كانت واشنطن تنوى إخراج قرار القدس عاصمة للدولة الصهيونية بعد نجاح مشروعها، ولكنها فوجئت بالموقف المصري، الذى ستسجله آلاف الصفحات فى قادم الأيام والأعوام،فقد أسرع ترامب بانتهاز الفرصة الحالية، حيث الوطن العربى مشتعلا بالاقتتال والمضى المحموم فى تحقيق التمزيق، وفق المخطط، فأعلن القرار الصادر منذ اكثر من عشرين عاما، وذلك فى نظر الدولة التى تنتهك الشرعية الدولية وتدعى لنفسها حق تقرير مصير الدول والشعوب وفق مصالحها البحتة، وبمعايير عنصرية بغيضة، لكونها تشرد الفلسطينيين، ابناء المسجد الأقصي، أولى القبلتين وثالث الحرمين وكنيسة القيامة، واحدة من اعلى رموز المسيحية، دون ان يرمش لها جفن وتستورد يهودا من شتى بقاع الأرض ومختلف الجنسيات ليستولوا على ديارهم .
وأظن أن ما اقترفته الولايات المتحدة بشأن القدس، هو استكمال للتسلط والتجبر البريطانى، بواسطة ذات الأداة، أى اسرائيل ..وليت من «يعذرون؟» واشنطن قليلة الحيلة فى مواجهة اللوبى الصهيونى تارة والمنكوبة برئيس متهور تارة أخري، يلتزمون الصمت،.لأنه، وكما قال عبد الناصر،إن ما أُخذ بالقوة،لا يسترد إلا بالقوة.