تُعَدُّ كفالة الأيتام من أجَلّ الأعمال الصالحة وأعظمها أجرًا عند الله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم؛ فقد وردت الآيات القرآنية بالحث على رعايتهم والقيام بمصالحهم والتحذير من إهمالهم أو أذيتهم في أكثر من عشرين موضعًا، كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم المكانة العالية للقائم بهذا العمل الجليل سواء كَفَلَه من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية وقانونية، تتمثَّل في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجات العُلا من الجنة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كَافِلُ الْيَتِيمِ له أو لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهَاتَيْنِ في الْجَنَّةِ» وأشار بإصبعيه السبَّابَة والوُسْطَى. (صحيح مسلم).
ثم اختص الشرع الشريف بهذا التكريم الأم التي تعول اليتيم، وهو اهتمام حكيم يناسب ما تبذله هذه الأم من جهود شاقة في القيام على شئون ولدها مع التحلي بقيم راقية تتمثل في الحنان والصبر عليه عبر حياته بمراحلها المختلفة؛ فعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وامرأة سفعاء الخدين -أي متغير لون خديها لما تتحمله من المشقة- كهاتين يوم القيامة» وأومأ الراوي بالوسطى والسبابة.
واليتيم في اللغة: من اليُتْمِ، وهو في الأصل: الانفِراد؛ حيث صار مُنفرِدًا بعد وفاة أبيه، ويُطْلَق أيضًا على الغَفْلة والضعْف، ومن هذا المعنى سُمِّيَ اليتيم بذلك؛ لفقدانه أباه حين احتياجه إليه، كأنه أُغفِلَ فَضَاع، أما في الاصطلاح: فهو مَن مات أبوه وهو لم يكن في سن البلوغ، ويلحق مجهول النَّسَب باليتيم في أحكامه، بل هو أَوْلَى بالعناية؛ فجهالة نسبه قد تجعله عُرضةً لنبذ المجتمع، مع كونه لا أب له ولا أقارب يُنتَظر وصلُهم له أو سؤالُهم عنه، وليست له عائلة ينتمي إليها، بخلاف اليتيم معلومَ الأب، والذي له عائلةً ينتمي إليها، وأقاربَ قد يصلونه في يوم من الأيام.
إن اليتيم جزء مهم من نسيج المجتمع وبنيانه، مما يتطلب من المجتمع بذل الجهود المستمرة في أداء واجباته والوفاء بمستلزماته؛ حيث أمر الشرع الحنيف بكفالته ورعايته وتعهده.
والكفالة التي ينبغي أن يتلقاها اليتيم على نوعين: مالية، وأدبية، وهي بنوعيها من أنواع التبرع بقصد الخير والمعروف غالبًا، وتقوم بهذه الأحكام الشرعيَّة في العصر الحديث الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني عمومًا بصورة منظمة في ضوء التنظيمات العصرية التي يُبْذَل من خلالها للمكفول المال والمنفعة معًا، ويتلقى ألوان الرعاية الصحية والثقافية والاجتماعية والغذائية، مع توفير الحب والعطف والحنان بأسلوب حكيم.
وما سبق يؤكد أن اليتيم قد بات عبر العصور رمزًا للتواصل والمواساة بين أفراد المجتمع، ومن ثَمَّ تم التعارف بين المجتمعات على اتخاذ أول جمعة من شهر إبريل في كل عام ميلادي لتكون يومًا لليتيم، وهي مناسبة هادفة يعبر فيها أفراد المجتمع عن تضامنهم مع اليتيم وإكرامه، وهو أمر تنظيمي لا حرج فيه شرعًا بل هو مستحب؛ نشرًا لقيم البر والمعروف الواجبة تجاه اليتيم.
ولا ريب أن جملة هذه المظاهر السامية والتطبيق المعاصر لها يؤكد امتثال المسلمين ومجتمعاتهم للقيم النبيلة الواردة في الشرع الشريف تجاه اليتيم ومعاملته بالحسنى في مختلف شئون حياته، كما تكشف أيضًا عن بطلان دعاوى أهل التشدد الذين يتخذون مثل هذه المناسبات لترويج «غربة المجتمع عن الإسلام» وإشاعة أن المحتفلين باليتيم في هذا اليوم من جمهور المسلمين يبتدعون في دين الله تعالى، ولا صلة لذلك بالبدعة؛ لأن المشاركة في الاحتفال بهذا اليوم تندرج تحت أصول شرعية مقررة، فالأمر بإكرام اليتيم عام لم يتم تخصيصه بوقت دون وقت أو مظهر دون مظهر، كما أن هذه المناسبات تدخل السرور على قلوب اليتامى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن» (شعب الإيمان للبيهقى).
مفتى الجمهورية