بقلم – لينين الرملي
بعد أن أصبح المسرح معى لم يمنعنى هذا أن أعطى للمخرج شاكر عبداللطيف مسرحية لينتجها ويخرجها فى مسرح آخر، وهى سعدون التى تحدثت عنها، وفى نفس الوقت أخرجت من أوراقى مسرحية قصيرة باسم (الكابوس) واخترت أن أقدمها بممثلين غير محترفين فكلهم يمثل لأول مرة.
وسأكتب اليوم عن مسرحية أخرى معها لأنها قصيرة أيضا وقدمتها بعدد من الهواة وعرضتها بعد الأولى بفترة قصيرة وهى (العار) وعرضتها كالأولى «يلا تذاكر»، ثم قدمت الاثنتين معا وأظن أن أحدا لم يفعل ذلك من قبل وكنت مع ذلك أدفع لهؤلاء الهواة الأجور!.
وعن (الكابوس)، لم أكتب شيئا عنها عرضتها قبل الثانية بعام، ولكنى لم أكتب لها مقدمة أيضا. ربما لأنى كنت أراها أكثر من أن أكتبها على الورق. كنت أسمع شخوصا يتكلمون والذين لا يتكلمون. والأحياء منهم والموتى. وكانت الشخصيات تتحرك أحيانا وكانت مقيدة فى أحيان أخرى.
كأنها مقيدة بسلاسل من حديد. ولم تكن الشخصيات تتحدث إلى بعضها أو حتى لنفسها إلا قليلا. ولم تكن ترى الآخرين إلا قليلا. كانت مثل مونولوج طويل ومقطع إلى أشياء ولا تسمع بعضها البعض. بل لا تعرف ما الذى سوف تفعله بعد قليل. أو لا تفعل أى شيء.
ربما الخادمة هى التى كانت تعمل رائحة، وهى تفعل ما تؤمر به أو بدون أن تعمل أى شيء. صورة الجد المصور على الحائط تتكلم مثلهم أحيانا. وقد تأمرهم بفعل أشياء وقد تسكت، والإخوان فى العمل لا يتكلمون مع بعضهم. الأخ الأصغر يتحرك كثيرا رائحا وعائدا ولا يفعل أى شيء. والكبير يتحدث كثيرا ولا يقول شيئا مفهوما. يتحرك تارة ويلزم كرسيه المتحرك وهو يجره أو يسوقه فى حلقات. أحيانا ينهض فلا يفعل شيئا.
لا يوجد فيها أى شيء مخالف، مما نراه فى حياتنا. ومن حين إلى آخر تدق ساعة الحائط وتتوقف أحيانا. ومن السقف يتدلى ما يشبه حلقات أو ما يشبه خطوط إخطبوط. يهبط ببطء شديد لكنه يلفهم جميعا تحته فى النهاية فلا يستطيعون أن يهربوا منه ومن خيوطه.
أما (العار) فقد كتبتها بين سبتمبر ٦٩ وسبتمبر ٩٢.
التجربة صورة تعبيرية لحياتنا قديما وحديثا من خلال أسرة مصرية متوسطة، وهى عمل غير تقليدى أشبه بسيناريو مسرحى مركب من جمل مسرحية مكثفة وقصيرة، وإيماءات حركية تستخدم لغة الجسد الإنسانى فى التعبير عن الصراع الدرامى لتخلق حالة مسرحية أشبه بجو الأحلام التى تجمع أمانى وطموحات الإنسان ومخاوفه وإحباطه فى آن واحد، وتخلط بين شظايا متناثرة من الواقع اليومى المعاش والخيالات التى يشطح بها الذهن البشرى.
والعمل يراه المتفرج أكثر من أن يسمعه مثل المسرحية الأولى، ويمكن أن يقال إن أكثر ما فيها لغو لا معنى له. وهى فى هذا تشابه المسرحية التى سبقتها وهى مسرحية (الكابوس) والتى تكمل هذا العمل بشكل ما. وفى ليلة شاهدت اثنين من الفرنسيين المهتمين بمسرح الشرق عامة يشاهدانها وكانا يضحكان مع الجمهور. وكانا قد قابلا هاوى مسرح، سمع بها من آخرين، وتكلم الفرنسيان عن هذا العرض أمامه عنها فقال لهم عنى إنى أكتب مسرحيات كوميدية تافهة بغرض إضحاك الناس وتسليتهم فقط.وعرفت هذا الحوار من صديق لى كان موجودا مع الفرنسيين وحضر النقاش كله وأخبرنى أنهما ردا عليه فقالا إنهما اهتما بأعمالى لهذا العرض لذلك!!.
ولكن لم يمنعنى ذلك أن أكتبها وأقدمها مع الأولى فى عرض بالمجان لرواد المسرح العابرين أمام المسرح الذى لم يسبق أن شاهدوه!.
ثم عاد الفرنسيان ليطلبا من زميلة لهما تجيد العربية أن تترجمها إلى لغتهم. وبالفعل اجتمعت معى مرتين وراحت تسألنى عن بعض الألفاظ والعبارات التى توقفت عندها ولم تفهمها تماما لأنها غريبة بالنسبة لهم، وحدثت الترجمة على مدار يومين ولا بد أنها نشرت عندهم وأخذت منهما مقابل الترجمة. لكنى لم أعرف ماذا فعلا بها لكن بحكم أنى قابلت كثيرا من أجناس كثيرة أستطيع أن أفهم أنهما وقد حصلا على ما يريدان لم يفكرا أن يبعثا لى بالترجمة حتى لا أطلب منهما المقابل!.
نعم الجمهور الشعبى الذى شاهد العرضين معا كان يضحك بشدة، وفى نفس الوقت يتحسس مشكلاتنا الحزينة