الربط بين الواقع والخيال في طرح أفكارا تتناول بالنقد والتشريح حقيقة مايحدث في عالم الفن الذي لايهمه أحيانا سوى النخبة؛ في عالم يتشدق بالديمقراطية والرحمة هذا هو المدخل الذي دلفت من خلاله إلى الفيلم الملئ باللحظات المعبرة إنسانيا؛ وحكاية الرجل الذي باع ظهره وأستحق عنه بطله جائزة أحسن فى مهرجان فينسيا؛ والذي يحتفى به في مهرجان الجونة بعرضه في الافتتاح كوسيلة غنية استقصائية لعالم الفن ومآسى اللاجئيين .
مع تفرد للمخرجة التونسية كوثر بن هنية والمصور السينمائي كريستوفر عون الذي سبق أن أمتعنا في ( كفرناحوم ) بسحر صورة فارقة ومفعمة بالحيوية ومثيرة للانتباه بشكل دائم.
بالطبع قد يرى البعض أن رساموا الوشم بكل مابه من قسوة هم فنانون رائعون؛ ولكن في الحقيقة أن الرسم على الجلد بالإبر هو قصة أخرى تمامًا بها الكثير من عدم الإنسانية
وهذا مايطرحه الفيلم التونسي «الرجل الذى باع ظهره» للمخرجة كوثر بن هنية، فاز بجائزتين فى الدورة الـ 77 لمهرجان فينيسيا السينمائى الدولي، الأولى لبطل الفيلم يحيى مهايني جائزة أفضل ممثل، كما فاز الفيلم أيضا بجائزة أديبو كينج للإدماج، وهى جائزة مستوحاة من مبادئ التعاون الاجتماعى. ولقد شارك فى بطولة الفيلم النجمة العالمية مونيكا بيلوتشى، ديا إليان، كوين دى بو.
نحن فى هذا العمل أمام حالة تداخل بين أدانة الحرب في سوريا والنظام الذي أدي اليها وبين أدانة العالم المتحضر الذي يدعى التمدن والدفاع عن حقوق البشر وهم يسحقون أدمية اللاجئين اليهم؛ من خلال رصد رحلة شاب سورى، «سامى على» وهو ليس ناشطا سياسيا ضد النظام السورى ولكنه يرى أن حريته تبدأ بالزواج ممن أحبها قلبه ؛ هذا الشاب أجبر على الهجرة إلى لبنان، هربا من سوريا فى سوريا؛ وهناك يعمل فى مكان لتفريخ الكتاكيت وكأنها أشارة الى تدجين الأنسان ذاته ؛ وفى أحدى المرات التى يذهب فيها الى المعارض الفنية لمجرد الحصول على الطعام المجانى؛ يلتقى ، بـ«جيفرى جودفرا» الفنان الأشهر، فى مجال الفن المعاصر، ويتوصلا إلى اتفاق غريب من نوعه، بحيث يرسم على ظهر «سامى» عملا فنيا حيا، مقابل حصوله على فيزا للسفر للقاء حبيبته التى تزوجت وسافرت الى بلجيكا.
لتبدأ المخرجة التونسية كوثر بن هنية نوعا من الهجاءً شديد اللهجة الى الفن الذى بلا رحمة ومتسترا فى ثوب عالم الفن؛ مع أستعراض خطوات تحول اللاجئ السوري المثير للجدل لأن يصبح قماشًا حيًا موشومًا الى لوحة تعبر عن الفيزا.
ويبدأ السيناريو بكل الشجن يقفز من الرقة إلى بيروت إلى بروكسل ، طارحا مأساة الرجل الذي باع جلده من خلال تداخلات غاية فى الانسانية والشجن وخاصة مع ظهور مونيكا بيلوتشي الشقراء الجليدية ذات الدور المحوري بالفيلم؛ و(بيلوتشي) المساعدة جيفري والتى تتعامل من البداية بقسوة بداية من التوقيع على الميثاق الذي يغير الحياة؛ وحصوله على تأشيرة شنجن الأوروبية ، والتي تتيح للزوار سهولة الوصول إلى 22 دولة في الاتحاد الأوروبي بعد أن فر من الاضطهاد في وطنه ، لا يستطيع سامى الحصول على المستند بشكل قانوني بنفسه ، وهو واقع يعلق عليه جيفري عن قصد.
وبالطبع ينال العمل الفنى المرسوم على ظهره شهرة كبيرة، ويقدر بمبالغ خيالية فى مزادات سوق الفن، فيثير لعاب تجار التحف الفنية، وسخط ناشطى حقوق الإنسان، ليجد «سامى» نفسه في مأزق، يحاول الخروج منه واستعادة حبيبته
ويلعب الدور الرئيسي في فيلم «الرجل الذي باع ظهره» الممثل الكندي من أصل سوري يحيى مهايني، إلى جانب الممثلين الفرنسيين ديا أليان وكريستيان فاديم والبلجيكي كوين دي بو والفنانة اللبنانية السورية دارينا الجندي والتونسيين نجوى زهير وبلال سليم.
وصوّرت المخرجة الفرنسية التونسية كوثر بن هنية التلاقي العنيف بين عالَمَي اللاجئين والفن المعاصر.
واستوحت بن هنية فيلمها من أعمال الفنان البلجيكي المعاصر ويم ديلفوي الذي رسم وشما على ظهر رجل وعرض العمل للبيع. وقالت إن «البضائع يمكن أن تنتقل بحرية في العالم ولكن ليس الأفراد»، حتى عندما يتعرّضون لأبشع أشكال الاضطهاد.
ويبقى مشهد النهاية ليضع المشاهد أما تساؤلات عدة حول أستنساخ اللوحة الذى تم من خلال الفنان عندما حصل على الحامض النووى للبطل ليخلق منه جلد جديد رسمت عليه اللوحة الجديدة التى زادت قيمتها بعد مقتل البطل على يد الدواعش فى مدينة الرقة التى عاد اليها؛ وفى الحقيقة ان مشهد قتله من الدواعش كان محيرا لى لأن تم بأطلاق الرصاص وهو اسلوب لايستخدمه الدواعش فهم يقتلون بفصل الرأس أو الحرق ؛وفسر هذا بظهور البطل لنعرف أن ثمة اتفاق تم مع الدواعش من قبل الفنان لتمثيل هذا المشهد بدون أن يذكر هذا الفيلم ؛وكأنه أتفاق بين عالمين كلاهما ضد الانسانية ولكن النتيجة كانت حرية البطل الذى أعلن وفاة امام العالم أجمع.
الطريف أنه فى عام 1917 نشرت BBCتحقيقا مصورا بعنوان (The man who sold his back to an art dealer)الرجل الذي باع ظهره لتاجر قطع فنية؛ التحقيق كان عن تيم شتاينر الذى لديه وشم متقن على ظهره صممه فنان مشهور وباع لهواة جمع الأعمال الفنية الألمانية؛ وعندما يموت شتاينر ، سيتم الحصول على جلده كلوحة ؛و حتى ذلك الحين يقضي حياته جالسًا في صالات العرض مع قميصه. الغريب أن هذا الشخص الذى باع ظهره مفتخر بذلك ويقول : «العمل الفني على ظهري ، أنا فقط الرجل الذي يحمله في الأرجاء».
وبداية التحقيق بدأت قبل عقد من الزمان ، عندما التقت صديقته آنذاك بفنان بلجيكي يدعى Wim Delvoye ، اشتهر بعمله المثير للجدل في رسم وشم الخنازير.وأخبرها دلفوي أنه كان يبحث عن شخص ما يوافق على أن يكون لوحة بشرية لعمل جديد وسألها عما إذا كانت تعرف أي شخص قد يكون مهتمًا.ويقول شتاينر: «لقد اتصلت بي على الهاتف ، وقلت بشكل عفوي ،» أود أن أفعل ذلك بعد عامين ، بعد 40 ساعة من رسم الوشم ، انتشرت الصورة على ظهره بالكامل ؛ وتضمنت اللوحة طيور السنونو ، ورود حمراء وزرقاء ، وعند قاعدة ظهر شتاينر ، يمكن رؤية سمكتين كوي على الطريقة الصينية ، يركبهما الأطفال ، تسبحان أمام زهور اللوتس. وقع الفنان على العمل على الجانب الأيمن. وبيع العمل ، الذي يحمل عنوان TIM ، مقابل 150 ألف يورو (130 ألف جنيه إسترليني) لجامع الأعمال الفنية الألماني ريك رينكينج في عام 2008 ، مع حصول شتاينر على ثلث المبلغ.
يقول شتاينر: «بشرتي ملك لريك رينكينغ الآن». «ظهري هو القماش ، أنا الإطار المؤقت».
والمؤلم حقا أنه عندما يموت شتاينر يجب أن يتم جلد ظهره ، وتأطير الجلد بشكل دائم ، ويحتل مكانًا في مجموعة Reinking الفنية الشخصية.
وللأسف أن الفكرة المروعة لها مكانة فى تاريخ الوشم الياباني ؛وتم إجراؤه مرات عديدة
ويقوم شتاينر بإظهار الوشم من خلال الجلوس عاري الصدر في معرض ثلاث مرات على الأقل في السنة؛ ولقد أقيم معرضه الأول في زيورخ في يونيو 2006 – عندما كان الوشم لا يزال قيد التنفيذ. عندما صادفت الذكرى العاشرة كان في منتصف معرضه الأطول على الإطلاق ، عام كامل في متحف الفن القديم والجديد (منى) في هوبارت ، تسمانيا ، يعمل خمس ساعات في اليوم ، ستة أيام في الأسبوع. وللاسف عرض أيضا فى متحف اللوفر في باريسعام 2012 ؛ومعرض دي بوري ولوكسمبورج بزيورخ ؛ومزرعة الفن ، بكين ؛ معرض الفن المعاصر SH ، شنجهاي.
يقول: «اجلس على مكتبك ، وساقيك متدليتان ، وظهرك بشكل مستقيم وتمسك بركبتيك لمدة 15 دقيقة – إنه صعب»؛ «لقد فعلت هذا لمدة 1500 ساعة. لقد كانت إلى حد بعيد أكثر تجربة شنيعة في حياتي». ويضيف «كل ما تغير على مدار الأيام كان حالتي الذهنية – أحيانًا الجنة ، وأحيانًا الجحيم ، دائمًا في حالة تأهب تام».
والعجيب أن الشيء الوحيد الذي يفصل شتاينر عن زوار المعرض هو خط على الأرض – وهو الخط الذي عبره البعض في الماضي.
يقول: «لقد تأثرت ، ونفخت ، وصرخ في وجهي ، ودُفعت وأبصق ، لقد كان الأمر في الغالب عبارة عن سيرك». «لكنني لم أتأثر ولو مرة واحدة في هذه الرحلة ، إنها معجزة» ويضيف «يعتقد الكثير من الناس أنني منحوتة ، ولدي صدمة كبيرة بمجرد أن يكتشفوا أنني على قيد الحياة بالفعل».
يقول شتاينر: «يمكن أن أصاب بالسمنة ، والندوب ، والحرق ، وأي شيء»، «إنها عملية العيش. لقد أجريت عمليتين في أسفل الظهر».
العجيب أن البعض يردد أن نية الفنان كانت إظهار الفرق بين صورة على الحائط و «قماش حي» يتغير بمرور الوقت.
ومن المعروف أن المخرجة قدمت عددا من الأفلام القصيرة، فاختارت النوع الوثائقي في «الأئمة يذهبون إلى المدرسة»، ثم أخرجت «شلاّط تونس» في العام 2014 وبعد سنتين «زينب تكره الثلج» عن الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، وقد صوّرته بين تونس ومقاطعة كيبيك الكندية.
وفي العام 2017 بلغت مرحلة مهمة ومصيرية في مسيرتها السينمائية عندما حصد فيلمها «على كف عفريت» إعجاب الجمهور وتصفيقه الحاد لدى عرضه ضمن قسم «نظرة ما» في مهرجان كان الدولي، ويستند العمل إلى قصة حقيقية حدثت عام 2012 تعرّضت خلالها فتاة جامعية للاغتصاب على يد رجال شرطة، وتكافح على مدى ليلة لتقديم شكوى في حقهم. بينما الجهة التي يفترض أن تتلقى الشكوى وتحركها نحو القضاء هي ذاتها الخصم.كشف أول فيلم روائي طويل لكوثر بن هنية Beauty and the Dogs عن صانعة أفلام تحمل في نفسها وعلى شخصياتها مظهرًا فريدًا ومؤثرًا. لم يترك أي شخص غير مبال خلال عرضه في عام 2017 في مهرجان كان السينمائي. هذه النظرة القوية ، عشناها بالفعل من خلال أفلامها الوثائقية العديدة.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية