الخاسر الأكبر في قضية «ابن المستشار» المعروف بلقب «طفل المرور» هو والده رئيس محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية المستشار أبو المجد عبد الرحمن أبو المجد نفسه.
فقد تسبب نجله «المستهتر» أو«المتطلع إلى استعمال النفوذ مبكرًا» في إحراج الأب، وهو كما يقال قاض محترم، ولا تدور حول نزاهته أو انضباطه المهني شائبة، ولكنه، بلا شك، مسئول مسئولية قانونية كاملة، عن تصرفات الطفل، الذي قام بتكرار الاعتداءات على رجال الشرطة، وقام بتصويرها، وإرسالها إلى أصدقائه، كي يتباهى أمامهم، بسلطته الوهمية قانونًا، الواقعية فعلًا.
أيضًا.. سلك القضاء تعرض لإحراج ليس مسئولًا عنه، لأن مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت الحديث عن التمييز، والامتيازات التي يحصل عليها القضاة، وهو حديث بعيد تمامًا، عن الواقعة التي ليست مجالًا للحديث عن أمور أخرى.
وإلا فإن هذا الكلام سوف يبدأ فتح ملفات الامتيازات التي تحصل عليها وظائف أخرى، مثل قطاع البترول مثلًا، والحقيقة أن كل وظيفة لها ظروفها، وكل قطاع له موارده، ولا يمكن أن نفتح ملفًا بهذا المعنى، بمناسبة الحديث عن واقعة تنمر عابرة، وبتصرف فردي من طفل يحتاج إلى التقويم، ولكننا نستطيع الحديث عن عدالة توفير فرص العمل للجميع بالنظر إلى كفاءتهم، وليس بالواسطة التى يحصلون عليها للفوز بالوظيفة.
والد الطفل أصدر بيانًا أمس قال فيه «رغبت ومن قلب جهة عملي التي أتشرف بالانتماء إليها (ديوان عام وزارة العدل) أن أتقدَّم باعتذار إلى جموع الشعب المصري بجميع طوائفه عمّا بدر من نجلي سواء في واقعة التعرض باللفظ لرجل المرور أثناء قيادته سيارة دون حمل ترخيص قيادة أو عما نشر على وسائل التواصل الاجتماعي من مادة مصورة تتضمن ما أورده نجلى من عبارات بذيئة أرفضها تمامًا سيما وقد انطوت على عبارات تشى أنه فوق المحاسبة القانونية، بل إنى أؤكد خضوعي شخصيًا للقانون الذى أحترمه وأجلِّه وأتشرف بتنفيذه فى محراب القضاء منذ 30 عامًا وللتأكيد على خضوع الجميع للقانون ».
هذا الاعتذار هو مربط الفرس، فقد شعر المستشار أبوالمجد، بأن المجتمع غاضب، لأن سلوك نجله لم يأت من فراغ، ولكنه سلوك اجتماعي، يعكس نظرة الطفل، لوضع والده الوظيفي، وتأثيره على نمط حياتهم اليومية، وتمييز وضعهم الأسري لأن والده يعمل في سلك القضاء، دون أن يلفت أحد نظر الطفل إلى أن المجتمع منح القاضي هذه الميزة، أو الحصانة، حتى لا يتعرض القاضي نفسه، لأية مخاطر أو تهديدات أو ضغوط أثناء تأدية عمله، وهى ميزة نقبلها طالما كانت تؤدي لتحقيق الهدف المطلوب، وهو سير مرفق العدالة بالقسطاط وبانتظام.
هل تريدون الحقيقة؟.. المجتمع نفسه قام بترسيخ مفاهيم «ابن الرجل المهم» وجملة «إنت مش عارف أنا ابن مين؟» وفرضها على نفسه فرضًا قاسيًا، حتى أننا جميعًا نتعامل مع هذه المفاهيم الطبقية، الشاذة، باعتبارها أمورًا عادية، وهذا لا يعنى إلا شيئًا واحدًا، وهو أننا فقدنا الإيمان بقوة القانون، وأنه الفيصل في الحكم بين الناس، حتى لو كان القانون حكمًا بين القاضى وبين أي مواطن آخر.
وأعتقد أن هذا الحدث الذي هز مصر هزًا، والذي نجد فيه ابن القاضىي يُقدم للمحاكمة، وتتم محاسبته، وتتم مساءلة والده «المستشار» ليتقدم الأب بهذا الاعتذار العلني لكل الشعب المصري، هو يوم مشهود، يجب أن نقوم باستغلاله، لفرض أمور أخرى، ومنها أن ابن المستشار ليس بالضرورة أن يكون قاضيًا، إلا اعتمادًا على قدرته وكفاءته وتفوقه القانوني في كليته.
وليس استنادًا إلى أية اعتبارات أسرية، لأن انضباط أي مرفق عام يجب أن يعتمد على الكفاءة وليس على القرابة، فابن الأستاذ الجامعي لا يجب أن يكون أستاذًا مثل والده، ولا ابن الطبيب يجب أن يكون طبيبًا، إلا استنادًا على الكفاءة والقدرة الشخصية.
أمامنا فرصة لترسيخ مفاهيم وثقافة دولة القانون، حتى يصبح النص القانوني هو السيد، وهو الفيصل، والحكم بين الجميع، حتى نتمكن من بناء دولتنا الجديدة على اسس سليمة، لأن دولة القانون تستطيع حماية المجتمع في البداية، ولديها القدرة على حماية مؤسسات الدولة كلها، وتستطيع حماية الاقتصاد وخطط الدولة في الصحة والتعليم، وستصبح مشروعات التنمية السير في خطى ثابتة دون عوائق.
وأخيرًا.. هذه واقعة فردية.. وتصرف لا يجب أن نوجهه للنيل من مهنة محترمة.. حتى والد الطفل نفسه هو قاضٍ جليل له كل الإحترام.
وقضاة مصر جميعهم لهم كل تقدير.. ولكننا بإثارة هذه القضية المهمة نريد أن نبدأ وضعًا مجتمعيًا جديدًا يكون فيه القانون، هو السيد، وليس النفوذ او الوظيفة أو القرابة.
حفظ الله الوطن، وتحيا مصر قوية تحت مظلة نفوذ القانون.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية