نتكلم كثيرًا ونسرد الحكايات المرتبطة بشعار «يحيا الهلال مع الصليب» ولكننا لم نسأل كثيرًا.. من أين انطلق الشعار ومن هو صاحبه؟ الإجابة نجدها عند القطب الوفدي الكبير والشهير، منير فخري عبدالنور، سكرتير عام الوفد الأسبق. ووزير التجارة والصناعة الأسبق الذي قال بوضوح: «جدي فخري عبدالنور هو صاحب شعار عاش الهلال مع الصليب عقب مطالبته بمشاركة الأقباط في ثورة 1919 وهو أول قبطي يطالب بدخول الأقباط السياسة والنضال ضد الاحتلال، وهو أحد ثلاثة ذهبوا لسعد زغلول عند إنشاء الوفد، لمطالبته بضم الأقباط للوفد الذي كان يخلو من الأقباط آنذاك. ليقول له إن الوطنية ليست حكرًا على المسلمين. ويجب أن يشارك الأقباط في الكيان العظيم الذي تم تأسيسه للمطالبة بالاستقلال».
أمين فخري عبدالنور، الذي رحل عن عالمنا منذ ما يقرب من عشر سنوات، وهو نجل الزعيم الوفدي فخري عبدالنور، ووالد منير فخري عبدالنور، كشف عن درجة محبة والده للزعيم الخالد سعد زغلول، وقال إن سبب تسمية شقيقه «سعد فخري عبدالنور – سكرتير عام الوفد فيما بعد» بهذا الاسم تيمنًا باسم سعد باشا زغلول. ليصادف مولده مع زيارة الزعيم سعد زغلول لمنزلهم.. فقد كان الشخصية المحبة المقربة من سعد باشا..ليثور التساؤل: من هو فخري عبدالنور؟
الإجابة يقدمها لنا الكاتب الكبير الراحل مصطفى أمين أحد أقارب الزعيم سعد زغلول قائلًا: عرفت فخري بك عبدالنور منذ كان عمري أربع سنوات..يدخل ويخرج من مكتب سعد زغلول وكأنه يعدو، بجسمه الضخم وصوته الجهوري. كان بيت الأمة في ذلك الوقت أشبه بخلية نحل لا تنتهى، داخلون وخارجون، ذاهبون إلى السجن وخارجون منه. نساء يحملن منشورات. ورجال يخفون المسدسات. ووجوه مختلفة وسِحن متباينة. ولكن فخري عبدالنور كان دائمًا الاسم المكرر بين الزائرين.. وكان سعد زغلول معجبًا بصراحته وخفة ظله، وبقدرته العجيبة على تذكر الأحداث والتواريخ.
صحيفة الوفد، قامت بعرض تفاصيل مهمة من مذكرات فخري عبدالنور، من إعداد زميلنا أحمد السكري، نعرف منها من أين بدأ ارتباط الأقباط بالوفد، وارتباط الوفد بالأقباط، فقد كان فخري عبد النور وشقيقه لبيب عبدالنور بك عضوين في نادي «رمسيس». وهو نادٍ يضم كبار الأقباط وقد زار النادي فخري عبدالنور في مساء يوم قابل فيه على شعراوي باشا، وروى للحاضرين فيه ما سمعه من على شعراوي عن الوفد ومقابلة السير ونجت ودار الحديث حول هذه الحركة التي أخذت تثير اهتمام الرأى العام على الرغم من الرقابة والأحكام العرفية.. وكان الحاضرون من أعيان الأقباط ومثقفيهم ومفكريهم، فلاحظوا أن أسماء أعضاء الوفد التي ذكرت بعرائض التوكيلات التي توزّع فى البلاد. ليس بينها اسم أحد من الأقباط ورأوا أن هذا لا ينبغى أن يكون، وأنه لابد من استكمال هذا النقص.. وقرروا انتداب ثلاثة من الحاضرين للذهاب إلى سعد باشا وعرض هذا الموضوع عليه واختير الثلاثة فعلًا وكان فخري عبدالنور أحدهم، أما الآخران فهما الأستاذ ويصا واصف المحامي وعضو الحزب الوطني وتوفيق أندراوس من أعيان الأقصر. وطلب الثلاثة تحديد موعد لمقابلة سعد باشا في بيت الأمة للتحدث معه في هذا الأمر وتحدد الموعد بالفعل، فذهبوا للقاء سعد، ورأوا حركة التوقيع بتوكيل الوفد قائمة على قدم وساق وعلم الثلاثة من علوبة باشا أن سعد باشا خرج لحضور اجتماع «مجلس إدارة الجامعة المصرية» وأنه سيحضر بعد قليل، فانتظروا حتى حضر وقابلهم، وكان معه على شعراوى باشا ومحمد محمود باشا وأحمد لطفى السيد بك ومحمد علي بك ومحمود أبو النصر بك من أعضاء الوفد وقد رحّب بهم سعد باشا ترحيبا كبيرا.. وأعرب عن اغتباطه بالفكرة التى حضروا من أجلها ودار الحديث حول اختيار عضو أو أكثر من الأقباط فى الوفد وأكد توفيق أندراوس «أن الوطنية ليست حكرا على المسلمين وحدهم» فسرّ سعد باشا وقبّله على هذه الكلمة. وعاد الأستاذ توفيق فأكد أن العنصرين اللذين تتألف منهما الأمة المسلمين والأقباط، وكان مما قاله سعد زغلول. فى هذه اللقاءات. إن للأقباط ما لنا من الحقوق، وعليهم ما علينا من الواجبات. على قدم المساواة.. ويقول فخري عبدالنور إنهم عندما تركوا سعد وعادوا إلى نادي رمسيس حملوا معهم نسخًا من التوكيلات، فانهالت عليها التوقيعات من جميع الأقباط.
كانت هذه البداية الحقيقية للثورة التي ضمت كل أطياف الأمة. ووحدتهم، وجعلتهم نسيجًا واحدًا. فتمكنوا من مواجهة المحتل بكل القوة المستمدة من وحدة الأمة.
tarektohamy@alwafd.org