حبا الله مصر بخصائص ومميزات جعلتها مطمعاً على مر العصور للإمبراطوريات والقوى الكبرى سواء من الشرق أو من الغرب، مما جعل ملاحم وبطولات المصريين صفحات متتابعة في التاريخ الإنساني. ورسخت في ضمير هذا الشعب الكبرياء الوطني تجاه كل المحاولات البائسة لاختطاف هذا الوطن أو طمس هويته التي تجذرت فيه وباتت جينًا مصريًا خالصًا.
ولم تكن معركة الشرطة المصرية في 25 يناير عام 1952 إلا واحدة من هذه المعارك للكبرياء الوطني المصري، عندما ضرب أبناء جهاز الشرطة في هذا الوقت أروع الأمثلة والبطولات رغم قلة عددهم وعتادهم في مواجهة 7 آلاف جندي بريطاني مجهزين بأحدث الأسلحة الخفيفة والثقيلة. ومنها الدبابات التي حاصرت مبنى محافظة الإسماعيلية.
ولم تكن توجيهات فؤاد سراج الدين وزير الداخلية لضباط وأفراد الشرطة بالثبات والمواجهة، إلا إعلانًا سياسيًا لرفض حكومة الوفد استمرار قوات الاحتلال البريطاني في مدن القناة، واستمرار الوفد في دعم المقاومة الشعبية حتى رحيل آخر جندي بريطاني بناء على إلغاء معاهدة 36 وعدم شرعية وجود قوات إنجليزية في مدن القناة.
وبرغم مرور سنوات على تلك المعركة الخالدة، إلا أن استدعاء الرئيس عبد الفتاح السيسي لأحداث تلك المعركة كان استدعاء للكبرياء الوطني المصري تأكيدًا واصرارًا على رفع راية مصر عالية.
ولعل اللوحة التي رسمها رجال الشرطة في 52 ما زالت تؤكد عليها تضحيات رجال الشرطة حتى اليوم، وما زالت الأجيال الحالية التي تواجه وتحمي وتحرس هم أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كتبوا تاريخًا هامًا في سجل الوطنية المصرية.
فالعدو قد تتغير صوره وأسماؤه، ولكن لا تتغير أهدافه التي تتمثل في العصف باستقرار الأوطان ومقدرات الشعوب، وهو ما يفسر لنا معركة الصمود التي تخوضها الدولة المصرية الحالية في مواجهة الإرهاب والتي يقف فيها رجال الشرطة بجانب أشقائهم البواسل من القوات المسلحة مدركين لمسئوليتهم تجاه وطنهم وشعبهم والخلاص من آفة الإرهاب.
وإذا كان الرئيس قد أكد على الانتقال من مرحلة ترسيخ استقرار الدولة وتثبيت أركانها، إلى مرحلة البناء والتعمير والتنمية بفضل بطولة المصريين خلال السنوات القليلة الماضية في شتى المجالات، فإننا ما زلنا في بداية الطريق لتحقيق أهداف ثورة الثلاثين من يونيو والوصول إلى الدولة الوطنية الحديثة.
إننا الآن أمام المعركة الأكبر وهي معركة التنمية الشاملة التي تحتاج إلى سواعد كل المصريين، وبخاصة الشباب الذي يعد ذخيرة مصر الحقيقية والشريحة الأكبر من سكانها، ويستطيع أن يحول مصر في سنوات قليلة ومعدودة إلى أحد النمور الاقتصادية ليس فقط في المنطقة، ولكن على مستوى العالم من خلال العمل والابتكار والتوجه نحو التكنولوجيا الحديثة في الصناعة وكل الأعمال الحرفية في شتى المجالات.
وفي اعتقادي أن اتجاه الدولة نحو الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر فرصة لجذب الشباب إلى العمل والإنتاج.. وإذا كانت الدولة قد وضعت الأسس والبنية التحتية للاستثمار من خلال شبكات الطرق والنقل الحديثة، وفتح شرايين جديدة من خلال مدن الجيل الرابع.. فإننا أمام فرصة لخلق فرص جديدة لملايين الشباب من خلال المشروع القومى لتطوير الريف المصري في السنوات الثلاث القادمة، وذلك من خلال إقامة مشروعات صناعية صغيرة في شتى محافظات مصر لتكون فرصة حقيقية للصناعة الوطنية المصرية داخل مجتمعات تضم حوالى 60 مليون مصري، وهي بالمناسبة الفكرة التي حولت ماليزيا إلى أحد النمور الآسيوية اقتصاديًا في سنوات قليلة، بالإضافة إلى أن مصر تمتلك ميزة أكبر من حيث عدد العمالة، وأيضًا السوق العربية والإفريقية التي تستقبل الإنتاج المصري لتتحول مصر إلى دولة منتجة ومصدرة وتستعيد أمجادها وريادتها في محيطها العربي والإفريقي والعالمي أيضًا.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا