مسلسل «هجمة مرتدة» أظهر الصراع المعلوماتي في عالم المخابرات؛ مستندا إلى حقائق واقعية تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية التي تجسّدها الشخصيات التي يقدمها المسلسل؛ ومعتمدا على وسائل فنية مثل أماكن تصوير مفتوحة في عدة دول؛ لتوفير عوامل الإثارة والتشويق والترقب؛ ولا مانع من وجود بعض المشاهد الرومانسية أو الاجتماعية لتضفى الجوانب الإنسانية على حياة الأبطال؛ بما فيهم رجل أجهزة المخابرات؛ فكانت شخصية ابنة هشام سليم المصابة بالسرطان؛ وقصة الحب بين أحمد عز وهند صبري.
وفي ظل الثورة الرقمية، والتحولات العديدة في أساليب أجهزة المخابرات لإلتقاط وتخزين المعلومات؛ فثمة تغيرات عديدة في أسلوب السرد الدرامي للمسلسل ستختلف بكل تأكيد عن أعمال مخابراتية سابقة مثل رأفت الهجان؛ وهذا ما بدا واضحا بين الحين والأخر في استعراض المراقبة التي تتعرض لها هند صبري من خلال كاميرات المراقبة اللاسلكية هي نوع من كاميرات المراقبة التي تستخدم تقنية الاتصال اللاسلكي، يتم توصيلها بدون أسلاك، وتعمل بإشارة لاسلكية أو عن طريق الواي فاي؛ وهي من أحدث كاميرات المراقبة التي ظهرت في الآونة الأخيرة مستخدمة التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات؛ والتدريبات التي حصلت عليها لكيفية التعامل معها بدون أن يعلم المراقبين لها معرفتها بتك الكاميرات.
ومن وقت لأخر نشاهد عبر أحداث المسلسل الوسائل السرية الحديثة والتطور الإلكتروني للتنصت على العملاء؛ واكتشاف النشاط الإجرامي أو التخريبي .
وقد يتسأل البعض لماذا مازالت المخابرات في العالم تستخدم العنصر البشري. وهذا الأسلوب الذي شاهدناه في أعمل من قبل مثل رأفت الهجان وفي الحقيقة أن هناك استخدام لوسائل التكنولوجيا في عملية التجسس منذ وقت مبكر؛ إلا أنه ثَبت أنها لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري في مجال التجسس، فإن بعض المعلومات الحيوية لا يمكن الحصول عليها إلا عبر مصادر بشرية، لذلك فإن جميع قادة الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية و المعادية لنا يعملون على تجنيد المزيد من المصادر البشرية.
وفي مسلسل «هجمة مرتدة» عليك قراءة الواقع حولنا في ظل التحولات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، وبذلك أنت أمام استعراض درامي يبسط لك المستجدات والتحديات الصعبة التي تعيشها مصر؛ والتي تتطلب يقظة استخباراتية عالية؛ فنحن الآن في صراع استخباراتي من نوع خطير؛ قائم على الاستهدافات الأمنية ضد مصر ومنطقة الشرق الأوسط أجمع للسيطرة على الموارد والثروات الطبيعية، إلى جانب النفوذ الإقليمي.
وربما تحالف «الشام الجديد»، وهو المشروع الجامع بين مصر والعراق والأردن يفسر التواجد الاستخباراتي المصري في العراق في الحلقات الأولى في المسلسل؛ وأن هذا التحالف حلقة في سلسلة طويلة من التعاون؛ وتفعيل النفوذ الإقليمي على كافة المستويات؛ فنحن في زمن جواسيس الجيل الرابع من الحروب؛ والعملية الاستخبارتية التي يدور حولها المسلسل تقترب عن كثب من هذا النوع الجديد من دراما المخابرات في ظل التحولات الجيوسياسية؛ فالتحلفات الاقتصادية هي ماتبدو فقط فوق السطح.
و«هجمة مرتدة» خطوة درامية جادة للإشارة إلى العمليات الاستخباراتية المصرية لمواجهة المخاطر المستجدة، السياسية والميدانية، للعمل على سلامة منظومة الأمن القومي المصري والعربي.
وبعيدا عن المباشرة والجمل الخطابية في الحوار استطاع مسلسل «هجمة مرتدة» الاقتراب مما يحدث هناك والمتابعة الجادة من المخابرات المصرية منذ عام 2003، وما تلي هذا التاريخ من تداعيات سلبية بسبب الفراغ السياسي، في العراق ؛ وتمكن سيناريست العمل باهر دويدار من إظهار الثقل الإستراتيجي والإقليمي والدولي الكبير جداً والمؤثر للمخابرات المصرية هناك في تلك الفترة الزمنية الخطيرة، وهذا ما يقدمه مسلسل «هجمة مرتدة» من خلال السباق الرمضاني 2021، من ملحمة وطنية واقعية من ملفات المخابرات المصرية، محملا شخصية سيف العربي، ودينا وأعضاء جهاز المخابرات العامة المصرية، مسئولية فضح عدد من المؤامرات الخارجية التي تُحاك ضد مصر ومنطقة الشرق الأوسط.
وبالطبع أسماء العملاء ورجال المخابرات المصرية ليست حقيقية؛ فمن الطبيعي أن تلك الأسماء تظل سرية لسنوات عديدة؛ فما بالك أنها مازالت تعمل حتى الآن؛ وربما يفسر هذا عدم تعليق الجهات المختصة على تصريحات داليا زيادة أنها هي الشخصية الحقيقية التي تقوم بتأديتها هند صبري؛ بينما يبدو أنه كان مقصودا فضح العملاء الخائنين أمثال سعد الدين إبراهيم وأيمن نور.
مسلسل «هجمة مرتدة» الذي يقوم ببطولته كل من أحمد عز، هند صبري، نضال الشافعي، إنجي المقدم، صلاح عبدالله، ماجدة زكي، هشام سليم، ومن تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد علاء؛ يحسب له أيضاح العديد من العمليات الاستخبارتية بسلاسة وخاصة المراقبة من قبل المسؤول للحرص على العملية؛ وهو سبب في نجاحها. وهناك دور هام لأندرو ماكينزي، مصمم المعارك ومنسق الدوبليرات من جنوب إفريقيا؛ والمشارك في معظم الأعمال المصرية التي كان بها معارك هذا العام مثل النمر ونسل الأغراب .
والمسلسل يؤكد على حقيقة هامة وهي تفوقنا المخابراتي على عدونا الأول إسرائيل؛ فرغم أن إسرائيل تمتلك أقوى الأقمار الصناعية في العالم في مجال التنصت، والتجسس، والمراقبة، والاتصال، من خلال وكالة الفضاء الإسرائيلية ISA ، و 5 أقمار لأغراض التجسس والتنصت، وهي: «أفق 8» الذي تم إطلاقه في 2008، و«ريست 2»، الذي أطلق في 2009، و«أفق 9» الذي أطلق في 2010، و«عاموس 4» الذي أطلق في 2013، وآخر هذه الأقمار هو «أفق 10» الذي أطلق عام 2014.
وقد شاهدنا أساليب مختلفة لتوجد العناصر الاستخبارتية على الأرض في صور عدة بعيدة عن التجسس المباشر مثل «باربرا ليثم إبراهيم» الزوجة الأمريكية التي تعتبر رفيقة لسعد الدين إبراهيم (أحمد حلاوة )والذي ظهر في المسلسل باسم (سعيد خليل)، مدير مركز الجبرتي في المسلسل وهو في الحقيقة مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، وكانت زوجته مشاركة له في مشواره لخيانة بلده، ونجحا في عمل ذلك بخطة محكمة.
أما عن سعد الدين إبراهيم فلديه أرشيف كامل من الاتهامات ما بين التجسس والعمالة. وأظهر المسلسل حلقة الوصل بينهم وبين الإخوان، حيث لعب قبلها دور «عرّاب توثيق الثقة بين الإخوان والأمريكان وأنه كان يقول للأمريكان إن «الإخوان» يصلحون لحكم مصر. بل إن داليا زيادة، المدير التنفيذي السابق لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، أكدت أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما تعرف على الأحداث التي تدور في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير، من خلال زوجة الدكتور سعد الدين إبراهيم.
أما ريكاردو في المسلسل فهو ضابط الموساد الإسرائيلي «آيلان تشايم جرابيل» المتهم بالتجسس، والذي دخل البلاد بجواز السفر الأمريكي الذي كان يحمله، وبتأشيرة باعتباره مراسلاً صحفياً لإحدى الجرائد الأجنبية، وباعتباره سائحاً أمريكياً مرة أخرى، وجاء في 2011 باعتباره مراسلاً أجنبياً يقضى فترة في القاهرة لمتابعة الثورة المصرية، ومن الطبيعي أن ينتقل في ميدان التحرير.
والواقع الذي لم يظهر بوضوح في المسلسل أنه استغل حالة الانفلات الأمني التي أعقبته الثورة، وساهم في تأجيج الفتنة الطائفية، كما حدث في قرية صول بحلوان، واشتباكات إمبابة، بل وانتقل منطقة ماسبيرو وشهد اعتصام الأقباط المحتجين على الأوضاع هناك، بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على الخروج على أحكام الشريعة القانونية والتصعيد ضد القوات المسلحة. المؤسف أن جرابيل كان يستغل جنسيته الأمريكية ويتجول في الكثير من الدول العربية.
وقد تم استبدال الجاسوس الإسرائيلي الذي أدي دوره (قيس شيخ نجيب ) وظهر في المسلسل باسم ريكاردو. بخمسة وعشرين مصريا كانوا في السجون الإسرائيلية. وهو مشهد هام في الحلقة الأخيرة من المسلسل. وفسر العديد من الأقاويل الكاذبة التي استخدمتها الخلايا الإلكترونية المعادية عند الإفراج عن «آيلان تشايم جرابيل».
وتعامل مسلسل هجمة مرتدة مع التاريخ الحافل من التناقضات في المواقف والأفكار. التي حملها وروج لها أيمن نور، ففي وقت سابق سوق لنفسه كمؤسس وزعيم لحزب ليبرالى في مصر. ثم غير بوصلة الانتماء والتوجه إلى جماعة الإخوان الإرهابية؛ مقدما نفسه في دور جديد «معارض تحت الطلب».
ومسلسل هجمة مرتدة كسابقيه من أعمال المخابرات الدرامية يركز على التدريبات. وكيفية اختيار العميل والحرص دوما أن تكون روحه المعنوية عالية. وأن يتحلى بالذكاء وحسن البديهة والشجاعة. وهذا مايؤكده هشام سليم عن سر اختياره وتمسكه بالعميل سيف. والذي أظهر السيناريو في مشاهد متلاحقة بالعراق وفي التدريبات والاختبارت التي وضعها فيه «أحمد فؤاد سليم». أن «سيف» يتصف باللباقة وحسن التصرف؛ وقادرا على القيام بالأعمال التي تتطلب الجرأة. وحب المغامرة ؛ ويعرف كيف يعامل الناس. وكيف يناقش الآراء، مع توافر القدرة العملية له في المسائل التي تحتاج إلى المهارة المهنية؛ وظهر هذا واضحا عند تعامله مع محاولة تصوير المسئول المهم المتاجر بالأثار.
ورغم أن التعامل مع نقاط ضعف العميل تم الإشارة إليها في مسلسل رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة. ولكن في هجمة مرتدة ظهرت بوضوح أكبر. مع التركيز على خطورة الشجاعة التي قد تصل إلى حد الحماقة مع الآخرين. وأظهر المسلسل كيفية تخلص العميل نفسه من نقاط الضعف والحماقة.لذلك تم إخبار سيف أنه تم الاستغناء عنه بعد عودته من العراق .
أما أن تتوافر في العميل القدرة على ملاحظة كل شيء. ودقة التركيز على التفاصيل، وأن يكون قادراً على كشف من يراقبه بمهارة ودقة. فظهرت بسلاسة ووضوح في تدريب العميل مينا .
ورسمت الشخصية التي تؤديها هند صبري ببراعة بدت في قدراتها على التعامل مع الآخرين تحت ظروف شاقة. وخاصة مع شخصية «جبران». وتمكنها من التعبير عن الأفكار بوضوح واختصار وبطريقة مشوقة. عندما كانت تطرح مشاريعها للوكالة التي تعمل على تجنيدها. إلى جانب ظهور وعيها السياسي والإدراك لما يحدث في العالم. بل إن السيناريست بين الحين والآخر يقدم مشاهد يظهر فيها قدرتها على الموازنة بين الجرأة وإجراءات الأمن. وهو شئ كان يتجاوزه سيف في البداية.
ولأن العميل يجب أن يكون ملماً بلغة أجنبية وخاصة لغة المنطقة التي يعمل بها لذلك جاءت بعض المشاهد التي كانت تستخدم فيها هند صبرى الإنجليزية .
وأعتمد البناء الدرامي في مسلسل «هجمة مرتدة» على التأكيد على أنه عند الانتقال إلى البلد المطلوب العمل فيه. يجب التظاهر بممارسة مهنة معينة يحتاج إليها أبناء ذلك البلد مثل شركات السياحة بالنسبة لرأفت الهجان أو جمعة الشوان. والعمل في مقهى بالنسبة لسيف. أو جمعيات المجتمع المدني بالنسبة لداليا. ورسم كيفية خلق نظام الخلايا السرية بشكل فعّال في محاولة الاختراق للأماكن الهامة. كالسجون في العراق؛ معتمدا على أيديولوجية المجموعة ومنطقة عملها وتقنيات الاتصالات المتوفرة وطبيعة المهمة.
ومن الأشياء المميزة في مسلسل «هجمة مرتدة». هو تفسير كيفية إعداد العميل ومشاركة الجمهور بشكل غير مباشر في فهم تقنيات هذا الاعداد. بدون الوقوع في براثن المباشرة؛ مثل التشبث بالهدف الذي يصبح بمثابة فخ آخر له. يفقده رؤيته للصورة الكبيرة فيصطدم بالهدف. وهو ميلٌ أساسي في الإنسان بشكل أكثر مما يدركه الكثيرون؛ وهو مافعله سيف عندما أصر على عدم العودة من العراق. وأكمال المهمة؛ وهو فعلته هند صبري أيضا في التعامل مع الخزنة(نازلى شوكت) الشخصية. التي أدتها أنجي المقدم في المسلسل؛ فقامت باستخدام محاولة ثالثة في فتحها مما كان سيعرضها لاكتشاف أمرها .
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية