كريستوف كيسلوفسكي المحتفى به في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الخامسة ذو دينامكية التواصل مع الناس من خلال روحانية متمردة ليس لها قوانين، بأسلوبه السردي المتفرد الذي تراه بوضوح في «ثلاثية الألوان» و«حياة فيرونيك المزدوجة».
إنه المتمكن من أستخدام أسلوب سردية الشبكة؛ ذلك الأسلوب الذي يمثل تسلسل الأحداث المعقدة أو تفاعلات الشخصيات بشكل ممنهج؛ لتحليل أنماط العلاقات .
كريستوف كيسلوفسكي اعتزل السينما من أجل القراءة والتدخين ليموت في ربيع عام 1996 بعد عامين من الاختفاء من وراء الكاميرا .
يظل كيشلوفسكي واحداً من أهم المخرجين الأوربيين وأكثرهم تأثيراً حيث تُدرّس أعماله الآن في فصول السينما في الجامعات على مستوى العالم، ويصف كتاب «كيشلوفسكي على كيشلوفسكي» عام 1993 حياته وتاريخه بناءً على عدد من المقابلات التي قامت بها دانوشيا ستوك مع كيشلوفكي والذي كان مرجعاُ للفيلم الذي تناول سيرته الذاتية فيما بعد والذي كان بعنوان «كريستوف كيشلوفسكي: أنا هكذا» عام 1995، والذي قام بإخراجه كريستوف فيرسبيكي.
كريستوف كيشلوفسكي صاحب النظرة الخاصة للفن؛ عاشق تقديم حياته وحياة الآخرين برؤيته الخاصة.. «دانتى» السينما وفيلسوفها؛ مالك الأسلوب السينمائي المؤثر على العديد من صناع السينما؛ الذين ساروا على نهج كيسلوفسكي حيث بدا هذا واضحا مع جيرسي ستير في فيلمه «الحيوان الكبير»؛ وتوم تيكوير في «الجنة»، ودانيس تانوفيتش في «جحيم» 2005، توم تيكوير «اركضي لولا اركضي» 1998م، و «الأبواب المنزلقة»، وأليخاندرو جونزاليس إيناريتو في «21 جرام» . إنه ببساطة صاحب التأثير النافذ وواسع الانتشار.
اعتاد كيشلوفسكى استخدام نفس الممثلين في أدوار رئيسية في أفلامه. من بينها: أرتور باركيس في «لا نهاية» و«والوصايا العشرة»، و«فيلم قصير عن الحب»، و«فيلم قصير عن القتل».
ألكسندر بارديني في «لا نهاية» و«الوصايا العشرة» و«الحياة المزدوجة لفرونيكا» وثلاثية الألوان «أبيض».
إيرين جاكوب في «الحياة المزدوجة لفرونيكا» وثلاثية الألوان «أحمر».
ليندا بوجوسلاف في «فرصة عمياء» و«الوصايا العشرة».
ماريا باكولنيس في «لا نهاية» و«الوصايا العشرة».
جيرسى ستور في «الندبة» و«كاميرا بوف» و«فرصة عمياء» و«الوصايا العشر» وثلاثية الألوان «أبيض».
جرازينا شابولوفزكا في «لا نهاية» و«الوصايا العشرة» و«فيلم قصير عن الحب».
زبيجنيو ساماتشوفسكي في «الوصايا العشرة» وثلاثية الألوان «أبيض».
وبالرغم من أن كيشلوفسكي كان قد أعلن عن اعتزاله بعد ثلاثية الألوان. إلا أنه وقت وفاته كان يعمل على ثلاثية جديدة شارك في كتابتها مع بييزفيتش. وتتألف هذه الثلاثية من «السماء»، «الجحيم»، «المطهر»، والتي كانت مستوحاة من الكوميديا الإلهية لدانتي.
يبدأ عالم كريستوف كيسلوفسكي الروائي بفيلم العمال، والذي قدمه للتليفزيون عام 1975 وفاز عنه بالجائزة الأولى في مهرجان مانهايم الدولي، وقد عمل كيشلوفسكي في هذا الفيلم «العمال» ثم في فيلمه التالي «الندبة» على الواقعية الاجتماعية وتم الاستعانة بطاقم عمل كبير في كل منهما.
وفيلم «العمال» يدور حول اضرابات العمال الفنيين الذي يعملون في مرحلة الإنتاج وقد اعتمد في هذا الفيلم على خبرت كريستوف كيسلوفسكي المُبكرة في الكلية.
أما فيلمه «الندبة» فقد أظهر فيه كيشلوفسكي اضطرابات بلدة صغيرة بسبب مشروع صناعي سيئ التخطيط.
وتم تصوير هذين الفيلمين على نمط الأفلام الوثائقية مستخدماً العديد من الممثلين غير المحترفين، تماماً مثل أفلامه السابقة، حيث صوّر فيهما الحياة اليومية تحت وطأة قمع النظام ولكن دون تعليق علنى.
ثم جاء فيلمه كاميرا بوف عام 1979 والذي سبب له مشاكل مع السلطات أدت إلى منع الفيلم لفترة ليفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي الدولي. وفيلمه فرصة عمياء عام 1981 ليواصلا نفس الخطوط المماثلة لأفلام كيشلوفسكي المماثلة. إلا أنها أصبحت أكثر تركيزاً على الخيارات الأخلاقية التي يواجهها الفرد بدلاً من المجتمع ككل.
في هذه الفترة، تم اعتبار كيشلوفسكي واحداً ضمن حركة حرة تُدعى سينما القلق الأخلاقي وهي حركة نشطت في السبعينات وكانت تضم مخرجين بولنديين في هذا الفترة ومنهم يانوش كيوفسكي، أندريه وايدا، أنيسكا هولندا.
وتسببت صلاته بهؤلاء المخرجين وخاصة أنيسكا هولندا في إثارة الدهشة داخل الحكومة البولندية. مما جعل كل من أفلامه الأولى يتعرض للرقابة وتم إجباره على تعديل بعضها أو إعادة تصوير بعض الأجزاء فيها إن لم تُحظر صراحةً مثل فيلم «فرصة عمياء» والذي لم يُفرج عنه محلياً حتى عام 1987. أي بعد ما يقرب من ست سنوات من الانتهاء منه.
وربما يعد فيلمه «لا نهاية» عام 1984 هو أكثر أفلامه السياسية وضوحاً. والذي صوّر فيه المحاكمات السياسية في بولندا أثناء الأحكام العرفية من خلال وجهة نظر غير معهودة لشبح محامي وأرملته. وقد اُنتقد هذا الفيلم بقسوة من قبل كل من الحكومة والمعارضين.
بدءاً من «لا نهاية» ارتبطت أعمال كيشلوفسكي باثنين ممن تعاونوا معه في أفلامه التالية. الكاتب الروائي كريستوف بييزفيتش والمُلحن بيجنييف بريسنر.
كان بييزفيتش محامياً وقد التقى به كيشلوفسكي أثناء بحثه في المحاكمات السياسية تحت الأحكام العرفية أثناء إعداده لفيلم وثائقي عن نفس الموضوع، وقد شارك بييزفيتش في كتابة السيناريو لجميع أفلام كيشلوفسكي التالية.
أما بريسنر فقد قام بوضع الموسيقى التصويرية لفيلم «لا نهاية» ثم لأغلب الأفلام التالية ليكشلوفسكي، حيث لعبت موسيقى بريسنر دوراً بارزاً في أفلام كيشلوفسكي وبعض هذه المقطوعات قد أشير إليها في الأفلام نفسها. وفي هذه الحالات كان يشار إلى تلك المقطوعات على لسان شخصيات العمل على اعتبار أنها من أعمال شخصية خيالية لفنان هولندي يُدعى بودينماير.
عام 1988 قدم كيشلوفسكي الوصايا العشرة وهو سلسلة مكونة من عشرة أفلام قصيرة تم تصويرها في أحد الأبراج السكنية بوارسو، ويستند كل من هذه الأفلام على إحدى هذه الوصايا العشرة، وقد أُنتجت هذه السلسلة من الأفلام للتليفزيون البولندى بتمويل من ألمانيا الغربية وتُعد الآن من أقوى أفلام الانتقادات اللاذعة في كل العصور.
وقد شارك بييزفيتش في كتابة السيناريو لكل من تلك الأفلام العشرة التي خرجت في شكل حلقات طويلة مدة الحلقة الواحدة ساعة، وقد كان كيشلوفسكي ينوى أن يتم إخراج هذه الأفلام العشرة على يد عشرة من المخرجين، إلا أنه لم يستطع التخلي عن السيطرة على هذا المشروع الكبير، وفي نهاية الأمر استقر على أن يكون لكل من هذه الحلقات أو الأفلام مدير تصوير خاص.
وقد تم الإفراج دولياً عن الحلقة الخامسة والحلقة السادسة على التوالى تحت عنوان «فيلم قصير عن القتل» و«فيلم قصير عن الحب»، وقد كان كيشلوفسكي يخطط لعمل فيلم طويل من الحلقة التاسعة والتي كانت بعنوان «فيلم قصير عن الغيرة». لكن الإنهاك حال دون عمل ذلك الفيلم والذي كان سيُعد فيلمه الثالث عشر في أقل من عام.
وتعتبر «الوصايا العشرة» من أقوى أعمال كيشلوفسكي والتي قال عنها المخرج ستانلي كوبريك أنها أفضل شيء قد يراه الإنسان.
كانت الأفلام الأربعة الأخيرة لكيشلوفسكي من إنتاج أجنبي مشترك، بتمويل رئيسي من فرنسا. وعلى وجه الخصوص من المُنتج الروماني مارين كارميتز، وكانت هذه الأفلام الأربعة تركز على القضايا الأخلاقية والميتافيزيقية مثلما كان في «الوصايا العشرة» و«فرصة عمياء»، وإن كانت على مستوى أكثر تجريداً هذه المرة، وبطاقم عمل أقل. وقصص داخلية أكثر، وبنظرة مختلفة للمجتمعات المحلية. حيث ظهرت بولندا في هذه الأفلام من خلال أعين الأوربيين الغرباء، وكانت هذه الأفلام الأربعة هي أكثر أفلام كيشلوفسكي من الناحية التجارية نجاحاً.
كان أول هذه الأفلام الأربعة هو «الحياة المزدوجة لفرونيكا» عام 1990، والذي لعبت بطولته إيرين جاكوب.
يحتوي الفيلم على عنصر ميتافيزيقي قوي ، على الرغم من عدم شرح الجانب الخارق للقصة مطلقًا. مثل الألوان الثلاثة اللاحقة : الأزرق ، فقد عرضت النتيجة الموسيقية لبريزنر كعنصر رئيسي في الحبكة.
تدور قصّة الفيلم حول فتاتين ، (فيرونيكا) في بولندا و (فيرونيك) في فرنسا. لم يعرفا بعضهما ولكنّهما يشعران ببعضها ، تحصل البولنديّة علي فرصة في الغناء الأوبرالي ، وفي لحظة غنائها تأتي لحظة موتها المُفاجئة. وفي فرنسا تتوقّف (فيرونيك) عن دروسها الموسيقيّة كأنّما شاهدت ما حدث لـ(فيرونيكا) وقد أعطى النجاح التجاري النسبي الذي حققه الفيلم لكيشلوفسكي الفرصة لتمويل آخر أفلامه طموحاً وهو ثلاثية الألوان «أزرق»، «أبيض»، «أحمر»، والذي يستكشف الفضائل التي يرمز لها العلم الفرنسي.
وقد حصلت تلك الثلاثية على مجموعة من الجوائز العالمية المرموقة ومنها جائزة الأسد الذهبي لأحسن فيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي، وجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في مهرجان برلين السينمائي، بالإضافة إلى ثلاثة ترشيحات لجائزة الأوسكار.
في الجزء الأول من الثلاثية «أزرق» Blue عام 1993. تؤدي جولييت بينوشدور امرأة يموت زوجها وطفلها في حادث سيارة. وبعد مرورها بفترة من الشلل العاطفي، تتواصل مع صديق قديم. طالما شعرت أنه يحبها، لتخبره أن فرصته معها قد حانت أخيرا. فيبدآن علاقة تحاول من خلالها أن تعرف إن كان ذلك سيساعدها على تخطي محنتها هذه! لكنها تبقى على الحال نفسه، لتنتقل بعدها للعيش في حي باريسي قاتم وغامض. وتتعمد ألا تقابل أحدا تعرفه وألا تتعرف على أشخاص جدد. بيد أن الصدفة تجعلها تعرف أن لزوجها الراحل عشيقة، وأنها حامل منه.
في فيلم White عام 1994 يقرر فيه البطل. وهو حلّاق بولندي، العودة إلى وارسو بعد أن جرّدته زوجته الفرنسية من كل ما يملك في قضية رفعتها عليه لضعفه الجنسي. يساعده صديق في الهروب من باريس إلى وارسو داخل حقيبة سفر. لكنه يفاجئ عند الوصول أن الحقيبة غير موجودة.
الجزء الثالث من الثلاثية والذي يحمل عنوان Red عام 1994. والذي تقوم آيرين جايكوب ببطولته حيث تلعب فيه دور امرأة اسمها فالنتاين تعيش في جنيف. تصدم بسيارتها كلبة، فتعتني فيها حتى تتحسن صحتها وتعيدها إلى صاحبها، وهو قاضٍ متقاعد (جان-لوي ترنتینیان). حيث يخبرها أن بإمكانها الاحتفاظ بالكلبة، فلديه مشاكل أهم من عناية بالكلاب.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية t – F