منذ سنوات عدة بدأ العالم يتكلم عن “فاجنر” تلك الشركة العسكرية الروسية الخاصة؛ التي أصبحت بمثابة ذراع غير رسمية لموسكو. لترسيخ تواجدها في المناطق التي ترغب في مد نفوذها إليها. ومن الافلام الانسانية ذات البعد السياسي الهام؛ التي تشير إلى تلك الشركة ضمن سياق الأحداث بدون التصريح بالاسم فيلم “ماما أنا في المنزل” المشارك فى مهرجان الجونة بدورته الخامسة. الفيلم بطولة كيسينا رابوبور ويوري بوريسوف وإيكاترينا شوماكوفا، وإخراج فلاديمير بيتوكوف في ثاني أفلامه الروائية الطويلة، بعد فيلمه الأول “الأنهار العميقة” عام 2018.
ينقلنا مخرج الفيلم الى قبردينو – بلقاريا، إلى عالم يكبر فيه بعض الأطفال ليختاروا بين البطالة أو القتال. من أجل مقاول عسكري. روسي خاص. لنعيش مأساة تونيا (كسينيا رابابورت) التي أقنعت ابنها بأتخاذ خيار العمل من خلال تلك الشركة للحرب في سوريا دون أن تدري، لكنها تأسف بمرارة عندما قيل لها إنه قُتل أثناء القتال. بل ويصل بها الأمر إلى حد رافض تصديق ذلك، لذلك اقتحمت كل مكان من مكاتب الجيش إلى مراكز الشرطة، مطالبة. بالحقيقة. عندما تدرك السلطات أنها لن تستسلم، يصل شاب إلى منزلها مدعيًا أنه ابنها المفقود منذ زمن طويل، وأنه على قيد الحياة وبصحة جيدة. لكن تونيا تكشف المؤامرة؛ وتواصل الكفاح من أجل الحصول على إجابات.
ليطرح الفيلم صورة قاتمة للحياة والفساد في المنطقة مستعرضا الطرق التي يتم بها خداع تونيا؛ عن طريق المعلومات. المضللة والأكاذيب الوقحة؛ من خلال المسؤولين، ووسائل الإعلام الذين يلعبون دورهم المنوط بهم، وجميعهم يدركون أنهم يقدمون الأكاذيب.
ويقدم بيتوكوف الكوميديا السوداء الخاصة به في هذا السيناريو. من خلال الأم التى تدافع عن الحقيقة بحماسة وشجاعة. ضد نظام يريد أن يجعلها سجينة في منزلها. إنها ناشطة خلقتها المحنة، لتعطي الفيلم تأثيرًا عاطفيًا بالإضافة إلى خط إبداعي أخر بأداء .مغناطيسي لبطل الفيلم ويوري بوريسوف؛ الذي يؤدى شخصية الأبن المزيف؛ بحضور ملفت للأعجاب؛ وبأسلوب غامض. فتعكس تحولاته الإنسانية بعد التعايش لفترة مع الام، العالم المخيف الذي لا يمكن التنبؤ به؛ أو بما سيأتي منه. وبين الحين والأخر يظهر تلميح للتوتر الشعوري بين شخصيته وتونيا، مما يضيف إحساسًا غير مريح بالمكائد، يعززه التصوير السينمائي الحميم من كسينيا سيريدا.
تتشابك قصة الأم وبحثها عن أبنها مع قصة المسؤولين العازمين على تجديد مبنى تاريخي متهدم. الثروات المحلية تعتمد على تمويل الدولة، وهم يعملون بأنفسهم في حالة من الحماسة استعدادًا للتفتيش. تضرب هذه المشاهد نغمة كوميدية أكثر حدة. لنرى فى كل مشهد من “ماما، أنا في المنزل” لمسات مخرج لديه الكثير ليقوله؛ عن عبثية كل شيء من السياسة المحلية إلى الحرب؛ من خلال وجهة نظر الأم اليائسة المصممة على الوصول الى أبنها.
وسيذكر لمخرج فيلم “ماما أنا بالمنزل” فلاديمير بيتوكوف الاقتراب بقوة من الاشارة إلى الشركات التي تعمل بتلك الآلية، فى “روسيا “وتلك الشركات كما ظهرت بالفيلم بإمكانها التهرب من المسئولية القانونية أمام المجتمع الدولي، فحينما ارتكبت (بلاك ووتر) جرائم في العراق تبرأت منها أميركا، مثلما تتبرأ روسيا من (فاجنر) حاليا؛ الرائع بالفيلم أنه أشار اليها؛ مركزا على أنها تحمل صبغة عسكرية تساعد على تحقيق مصالح الدول التي تنتمي لها والمتحالفة معها، مهما تم إنكار هذا الأمر أو نفيه بشكل رسمي أو في تصريحات المسؤولين. إلى جانب أن الفيلم أعطى شبه تأكيد أن شركات الحرب الخاصة تجمع في صفوفها أفرادا متقاعدين من القوات المسلحة الروسية. وتضطلع بحماية عدة شركات في دول بها نزاعات. كما تنسب لها عمليات في بلدان مختلفة.
للمزيد من مقالات الكاتبة أضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية t – F