«برنس أوف إيجيبت» كان هذا اسم المسرحية الاستعراضية التي تفضل أحد الأصدقاء بدعوتي لحضورها في أحد مسارح لندن.. وشدني العنوان بقوة وطالعت الأفيشات أثناء دخولي المسرح الذي يقع في أشهر شوارع لندن «أوكسفورد».
ولكن ما بهرني أكثر أنني وجدت المسرح كامل العدد صالة وبلكون برغم ضخامته ومن كافة الأعمار.. المسرحية تتحدث عن قصة سيدنا موسى وفرعون والسيدة آسيا زوجته والسرد التاريخي كما عرفناه في قصص القرآن العظيم. ولكن بطريقة مسرحية غنائية استعراضية تناسب فهم ومفاهيم الجمهور.
ولا أخفي سعادتي بالطابع الفرعوني الذي اكتست به ديكورات وملابس الفرقة المبدعة والإخراج المذهل والتناول التاريخي المشوق والذي كانت تتعالى صيحات الإعجاب به والتصفيق بعد كل لوحة فنية ترسمها الفرقة أو في الخلفية المصورة .
وأصابني الكثير من الذهول وأنا أتابع مشهد الصندوق الذي حمل موسى وكيف أصبح المسرح بحر متحرك وبه الصندوق ومركب النجاة التي انقذته لترعاه يد الله في بيت فرعون الذي قتل كل أطفال المملكة.
أما مشهد الخروج لقوم موسى بملابس تراثية فينزلون من المسرح ليخترقوا الممر الأكبر في منتصفه بين الجمهور ويتقدمهم «موسى» بعصاته يحاول جنود فرعون تتبعهم فينشق المسرح كما البحر فيبتلعهم وتضج القاعة بالتصفيق مع الموسيقى التصويرية المعبرة.
كم أنت عظيمة يا مصر وتشعر أنك تختال بين الحضور كالطاووس تريد أن تقول أنا من هذه البلد أنا من بلد التاريخ والحضارة ومهبط الأديان، أنا من أم الدنيا التي انبثق منها فجر التاريخ وفجر الضمير حيث «كان نهار الدنيا مطلعش وهنا عز النهار».
أما الدعوة الثانية فكانت من رفيق الرحلة والابن البار المقيم في لندن محمد كريم وزيارة المكتبة العامة. التي تحتل مساحة ضخمة أيضا في وسط لندن وأجمل ما رأيت حيث وقفت طويلا في الجاليري الخاص بالوثائق التاريخية. حيث نسخ من التوراة وصور الألواح صور مرسومة وتخيلية لها مع نبي الله موسى. وأنها منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام وتم جلبها من دير سانت كاترين. وكذا نسخ من الإنجيل وهي أيضا من القرن الرابع الميلادي ومن نفس الدير.. ولأول مرة أرى نسخة من القرآن مكتوبة بدون النقط وقبل أن «يضعوا النقط على الحروف» ولم أستطع قراءة غير جملة واحدة وهي بسم الله الرحمن الرحيم فقط.
وكم من الوثائق للديانات الأخرى الهندوسية والبهائية والبوذية وتستطيع أن تقرأ وتتمعن في كل الوثائق. في إضاءة خافتة وهدوء لا تسمع فيه إلا حفيف الأقدام برغم وجود لا بأس به من الزوار. ولكن وكأنك وحدك.
ينتهي اليوم لنجد فرقة موسيقية شهيرة في البهو الرئيسي تعزف للزوار. ولكن بدون مسرح وإنما كل على مقعده وهي مقاعد الاستراحة التي تترامى في جنبات المكتبة. ليكتمل غذاء الروح بغذاء العقل فتخرج منتشيا وكأنك كنت في رحلة عبر التاريخ. تحمل رسالات السماء وتحلق بها في أفق الواقع على وقع السلم الموسيقي لتنقلها للأجيال.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية t – F