منذ سنوات، عندي هاجس مرتبط بتغول التكنولوجيا في حياتنا، وسيطرة الهاتف المحمول بما يحتويه من وسائل اتصال وتواصل، على حياتنا، وتراجع مصادر الثقافة الإنسانية من الكتاب الذي يتضمن التفاصيل، إلى السوشيال ميديا، التي لا تنقل لنا سوى بعض من كل، وقليلًا من كثير!!
الهاجس تحول إلى سؤال مباشر، وجهته للدكتورة الفنانة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، مساء أمس الاثنين، خلال حضورها اجتماع لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار بـ مجلس الشيوخ، برئاسة الصديق الصحفي الكبير محمود مسلم، وكان سؤالي واضحًا.. ما خطة الوزارة لنشر القراءة في قرى ونجوع مصر وأحيائها الشعبية في ظل تغول التكنولوجيا التي أدت إلى تقليل اهتمام الأجيال الجديدة بالقراءة ونهل المعرفة؟.
وقلت لها إنني نشأت في حي شعبي ولكنني كنت أحصل على جميع الكتب التي أرغب في قراءتها لكبار الكتاب من خلال سيارة متنقلة، كانت تأتي لنا عدة أيام خلال الأسبوع في إمبابة بجوار منزلنا، وكنت استعير الكتب من خلال إجراءات بسيطة، ثم أعيدها وأحصل على غيرها وهكذا تتوالى مصادر المعرفة من خلال المكتبة المتنقلة التي كانت تأتي إلى هذا الحي الشعبي العريق بانتظام.
أجابت الوزيرة إيناس عبد الدايم عن السؤال بأرقام متعلقة بحجم انتشار وسائل نشر الثقافة والوعى في مصر من خلال كتب مطبوعة أو ديجيتال يتم نشرها مجانًا على موقع الوزارة، وقالت إن هناك صعوبات طرأت على استخدام السيارات المتنقلة في الوقت الحالي، إلا أنها فاجأتني بمعلومة جديدة أدهشت الحاضرين من النواب أعضاء اللجنة، وأثارت رضا وإعجاب الجميع، وهي أن الوزارة بالتعاون مع مشروع «حياة كريمة» الذي يرعاه السيد رئيس الجمهورية شخصيًا، ستقوم بإنشاء كشك لبيع الكتب في كل حي أو قرية تخضع للتطوير في إطار مشروع حياة كريمة.
وقالت إن هذا المشروع تمت تسميته «كشكك كتابك» وسوف يتم بيع الكتب فيه بمبالغ زهيدة ورمزية. وسوف يعمل فيه أبناء القرية التي يوجد بها المشروع. وسوف يحصل العاملون بالمشروع على عائد البيع كاملًا. وقالت الوزيرة إن المستهدف في المرحلة الأولى 332 كشكًا. وتستهدف الوزارة أيضاَ إنشاء مشروعات صغيرة حول هذا الكشك الثقافي وتقديم الخدمات التي تؤدي إلى تشجيع رواد هذا الكشك على البقاء فيه لأطول وقت ممكن.
أصدقكم القول.. هذا المشروع «كشك كتابك» هو استكمال رائع للمستهدف من مشروع حياة كريمة. فليس الغرض من المشروع بناء الحوائط والمساكن. ولكنه مشروع متكامل لبناء الإنسان عقلًا وفكرًا ونفسًا وجسدًا. ولذلك يجب أن نعلن تقديرنا لقيام المشروع بتبني إنشاء مراكز الشباب في كل قرية. بجانب المدرسة والمستشفى، لأن الرياضة لا تقل أهمية عن التعليم والصحة. بالعكس هي توفر الوقت الضائع في التعليم لأجساد هزيلة. وتمنع بذل الجهد في تصحيح أخطاء الأجساد المُعتلة.
إذًا حياة كريمة تبنى العقل، والفكر، والجسد، لتخرج لنا أجيالا جديدة قادرة على مواجهة تحديات الزمن القادم.
نعود إلى مشروع «كشكك كتابك» الذي يمكن تحويله إلى مشروع تنويري هائل، ويمكن استخدامه في معركة تشكيل الوعي الوطني في مواجهة الإرهاب الدموي، فالإرهاب ينتهي عند استخدام العنف والسلاح، ولكنه يبدأ من العقل الذي يتم دس الأفكار الخاطئة داخله، ومواجهة التطرف تبدأ بنشر الثقافة والوعي، ولا يمكن أن ننجح في مواجهة خفافيش الظلام إلا بإشاعة النور في كل أرجاء البلاد، وهذا النور بدايته الكتاب الذي يجب أن يكون في متناول يد الجميع، سواء كان كتابًا مطبوعًا أو إلكترونيًا.
نريد أن يظهر كتاب جدد، نريد أن نرى مفكرين ومبدعين من أجيال جديدة. تعوض اختفاء أجيال كاملة من حملة الأقلام الذين رحلوا عن دنيانا ولم يظهر غيرهم منذ عشرات السنين. لأننا انشغلنا بما يعيقنا وليس بما يجعلنا نتقدم للأمام.
تحية إلى وزارة الثقافة على مشروعها الجديد «كشكك كتابك».. وتحية لمشروع حياة كريمة الذي يثبت كل يوم أنه مشروع لبناء الإنسان.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية t – F