في كل مرة أسافر فيها إلى باريس أحاول أن أذهب إلى متحف اللوفر فإما أن أكون مشحونا بجدول مزدحم. أو أن أرى الطوابير الطويلة أمام بوابته فأعرض عن هذه الأمنية وأشفق على الواقفين.
فزوار اللوفر حوالي 15 ألف يوميا.. هذا القصر التاريخي الذي يمثل مدخله وواجهاته تحفة معمارية فريدة وزادها جمالا ذلك الهرم الزجاجي الذي أضيف إلى مدخله وهو الواقع على الضفة الشمالية لنهر السين.. حيث كان في الأصل قلعة بناها فيليب أوغست 1190 في معاركه ليحمي نفسه من نورماندي ثم تحول إلى قصر ملكي باسم اللوفر. وكان أخر من سكنه هو لويس الرابع عشر حيث غادره إلى قصر فرساي ليصبح مجمع للتحف والتماثيل الملكية ثم أكاديمية لفن النحت والرسم حتى الثورة الفرنسية حيث قررت الجمعية الوطنية تحويله إلى متحف وتم افتتاحه رسميا 1793.
وعندما لم أرى الطابور الطويل وربما كان للمدعوة كوفيد -19 دورا فحاولت الدخول ولكن لابد أن تكون حاصل على جرعتي التطعيم ومن حسن حظي أنني أحمل هذه الشهادة حيث لا يسمح لك حتى دخول المطعم في باريس إلا إذا كنت تحملها.. وكنت متخففا وألبس الملابس الرياضية مما ساعدني كثيرا في هذه المغامرة التاريخية حيث المكان الذي يحتوي على قرابة المليون قطعة ولوحة أثرية في مساحة 13 كيلومتر مربع.
وبحساب الزمن أنك لو وقفت دقيقة واحدة أمام كل قطعة أو لوحة فأنت تحتاج إلى تقريبا 694 يوم ولو أنك استغرقت 8 ساعات متصلة يوميا في التجول فأنت تحتاج إلى ثلاثة أضاعف هذا الرقم لأنك لن تمكث الـ24 ساعة كاملة في المتحف.
المهم أنني استعنت بالله وبدأت رحلتي عبر الجناح الفرعوني الذي يهيم فيه كل جنسيات العالم ويجلس طلاب العلم في كل اروقته يحملقون ويكتبون ولا يخفى على أحدكم الانبهار بما هو فرعوني. ولكن اللافت أن كم الآثار التي سرقها الأوروبيون غير قليل.. واستغربت أن حجر رشيد برغم أن الذي اكتشفوه هم الفرنسيين في حملة نابليون. لكن الذين سرقوه هم الأنجليز حيث يقبع في المتحف البريطاني.. وقد لفت نظري وجود النسخة الأصلية للموناليزا وعليها كردون أمني ولابد أن تقف على بعد خطوات لتراها أو تصورها.
أما القاعة المبهرة حقا فهي التي تحتوي على لوحات الفن الإيطالي وخاصة لوحة تتويج نابليون الأول فتكاد تراه يقفز من على فرسه وكأن اللوحة ثلاثية الأبعاد.. وتتذكر وأن تمر من بهو إلى آخر الروايات المشوقة التي كتبت عن اللوفر مثل «شفرة دافنشي» لدان براون.. ومن الحضارة المصرية إلى الإغريقية إلى الرومانية وتماثيل من القرن الـ 18 إلى قاعة الفن الإسلامي لمؤسسة الوليد ابن طلال وبعض الدول العربية حيث افتتح 2012. وللعلم أنه تم تغيير اسم المتحف إلى متحف نابليون لسنوات. ولكنه عاد مرة أخرى إلى اسمه الأصلي ولا شك أن الحملة الفرنسية قد اجتهدت في الاكتشافات الفرعونية في مصر فالذي اكتشف وادي الملوك هو دومينيك فيفان رفيق نابليون في حملته. ولكنهم أيضا حملوا معهم ما استطاعوا اليه سبيلا ليفترشوا به متاحفهم.. وقد قضيت وقتا طويلا بين المدرسة الفرنسية والفارسية والإيطالية والإنجليزية وأيضا الهولندية بين الفن والنحت والرسم والخزف والتماثيل في رحلة مثيرة ولكنها تستحق التكرار لأنه مهما بلغت من الصبر والتحمل لن تستطيع أن تصل إلى أكثر من ثلث المعروض وتحتاج في تحركك إلى خريطة. فإذا انتهيت وبقي من روحك ما بقى ربما تدلف إلى أقرب كافيه في أروقة المتحف الخارجية والتي تحتوي على معارض لكل الماركات العالمية وقاعة جاليري ودار سينما.
الخلاصة أنك تعيش في المكان يوما كاملا ولا تحتاج للخروج. ولكن من المؤكد أن الصحبة الطيبة مطلوبة صحيح أنك وحدك تكون أكثر حرية ولكن الصحبة الواعية المثقفة ربما تعطي دفعة أكبر فإلى لقاء آخر في صحبة جميلة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية t – F