عندما نتطرق للحديث عن المشهد الليبي، يجب علينا عدم إسدال الستار على التاريخ المشرق لأسد الصحراء عمر المختار عندما شن حربًا ضروسًا ضد الطليان، لمدة 20 سنة من دون مهادنة أو استسلام، بغية تحرير التراب الليبي من المستعمر، وهو ما يعني أن الحرب كانت شريفة لاستنهاض قوى البلاد وعدم الرضوخ للتدخل الأجنبي ليعيث في البلاد.
يحيلنا ذلك إلى المشهد الليبي المعقد شديد البأس الآن نتيجة التجاذبات السياسية وعدم توافق ديناصورات السياسة هناك، فالواقع جلي بصناعة حروب خارجية تتقاتل بميليشياتها الإرهابية المقيتة لمص قوت البلاد والعباد.. حروب مستمرة والخاسر هو الشعب.
وبعد أن تكشفت الأوضاع في العمق الليبي بناء على المستجدات والتي تزداد ضبابية تزامنا مع إرجاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات موعد نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة إلى أجل غير مسمى والمقرر موعدها 24 ديسمبر، وهو ما يعني أن هناك تحديات جمة تلقي بظلالها على إتمام العرس الانتخابي في الموعد المحدد.
حيث تلا ذلك محاصرة ميلشيات الصمود في مصراته للمؤسسات الليبية في خطوة تعني تحدٍ صارخ للقرارات الأممية المعنية بإجراء الانتخابات، فبقاء الوضع كما هو عليه يعد بيئة حاضنة لتوغل المتمردين والمنتفعين وإحكام سيطرتهم على الدولة الهشة التي تصارع الموت، بغية الخروج إلى بر الأمان وتتطلع إلى الاستقرار المشروع مثل بلدان العالم.
وفي خضم القتال الدائر بين الميليشيات والضباع التي تسرح في البلاد، يعيش الشعب الليبي في حالة من الفقر المدقع، ويحلم بأن يصحو من تلك الكابوس الجاسم على صدوره، فالبلاد لديها الكثير من الثروات المتنوعة ومع ذلك الطغمة السياسية تستحل دمه طامعة في الكرسي، وفي القلب منها المجلس الأعلى للدولة الذي يترأسه القيادي الإخواني خالد المشري، والصفقات المشبوهة التي يجريها مع تركيا، بغية تقسيم الغنائم على أنقاض الشعب.
والسؤال كيف يسمح المسئول بالتحالف مع ميلشيات لدخول بلاده ويستعين بهم في ترويع أبناء ليبيا الشرفاء؟، ولماذا يسمح المجتمع الدولي بوجود قوى أجنبية تهدد بقاء الدولة الليبية؟.. ما سمعناه كثيرًا هو المطالبة بخروج العصابات، ولكن ما هي آلية التنفيذ؟ وكيف يمكن أن تخرج الميلشيات؟ خاصة أنها العامل الرئيسي الذي يهدد إجراء الانتخابات في موعدها، ولا ننتظر أي تقدم في ظل وجودهم وهي الحقيقة.
لقد ساندت مصر بقيادة الرئيس السيسي الشعب الليبي منذ بداية الأزمة، والرئيس عندما كان في مؤتمر باريس حول ليبيا الشهر الماضي، وجه رسائل خلال حديثه للشعب الليبي الحر قائلا: “يا أحفاد عمر المختار، لقد حان الوقت لكي تستلهموا عزيمة أجدادكم، الذين بذلوا الغالي، والنفيس، من أجل الحرية، واستقلال القرار الوطني، وأن تلفظوا من بلادكم كل أجنبي، ودخيل مهما تغنى بأن في وجوده خيرًا لكم، فالخير في أيديكم أنتم، إن تجاوزتم خلافاتكم، وعقدتم العزم على بناء بلادكم، بإرادة ليبية حرة”.
على الشعب الليبي أن يجلس على مائدة الحوار ويلملم الأوراق التي بعثرتها التدخلات الأجنبية الطامعة في خيرات البلاد، خاصة أن ترك الساحة لتدخلات أجنبية سيضع ليبيا في دوائر من الصراعات لجميع القوى الخارجية، بل قد يصل الأمر إلى تحول الدولة إلى ساحة لحرب تتقاتل بداخلها القوى المتصارعة المختلفة، فالبلاد تحكم القبضة عليها المليشيات فماذا ننتظر أن يحدث!
يجب أن يجتمع زعماء القبائل في ليبيا لوضع خارطة طريق تنجي البلاد والعباد، وقبل ذلك يجب تفكيك المليشيات والذي يعد شرط أساسيًا لإحلال السلام والوئام في الداخل الليبي، فالكرة الآن في ملعب الشعب، وعليه أن يضرب بيد من حديد لخروج المرتزقة، وينقي بلاده من دنس الاحتلال الأجنبي، فما يحدث أن المجتمع الدولي يغض الطرف عن فرض عقوبات على القوى الأجنبية في الداخل الليبي نظرًا لوجود مصالح خفية.
للمزيد من مقالات الكاتب، أضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية