المفاوضات المتعثرة حول سد النهضة الإثيوبي؛ استدعت جذور الصراع المائي بين دول منابع ومصب نهر النيل، الممتدة إلى حقبة الاستعمار الغربي للقارة الأفريقية وما شهدته من اتفاقيات بين دول حوض النيل، وصولاً إلى إنشاء السد العالي في مصر الذي لم يكن أول السدود المقامة على النيل، حيث سبقه العديد من المشروعات.
وقد وقعت مصر والسودان عقب الاستقلال عن التاج البريطاني وبمناسبة إنشاء السد المصري، اتفاقاً لتقاسم مياه النيل بمنأى عن إثيوبيا عام 1959. والتي جاءت مكمّلة لاتفاقية عام 1929 التي وقعتها بريطانيا نيابة عن دول حوض النيل مع الحكومة المصرية لضمان حصتها المكتسبة تاريخياً من مياه النيل وحقها الحصري في الاعتراض على أي مشروع مائي ترى أنه يضر بحقوقها ومصالحها المائية.
حديثاً؛ السد العالي كان بداية الخلاف وتحديدا عام 1954 حين خرجت إلى النور تصميمات السد، قبل بدء البناء عام 1960. وأيضاً قبل تأميم قناة السويس عام 1956 ووقوع حرب السويس أو العدوان الثلاثي على مصر في نفس العام، فتحالفت إثيوبيا مع القوى الاستعمارية وهما بريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت في إطار ما عُرف وقتها بنادي باريس من أجل وقف تأميم قناة السويس، فكانت بدايات الخلافات السياسية مع إثيوبيا التي كانت تدعم حلف بغداد وانضمت لاتفاقية الرمح الثلاثي التي شملت أيضاً تركيا وإيران وإسرائيل.
وقد رفض كل من مصر والسودان التوقيع على اتفاقية حوض نهر النيل المعروفة باسم «اتفاقية عنتيبي». حيث طالبت كل من مصر والسودان بضرورة تضمين الاتفاقية عدة مبادئ رئيسية ــ لكنها خلافية ـــ قبل التوقيع عليها، وهي: النص على احترام الحقوق التاريخية والمكتسبة للدولتين فيما يتعلق بحصتيهما التاريخية في مياه نهر النيل. والالتزام بمبدأ الإخطار المسبق من قبل دول المنابع. عند الشروع في أية أعمال تنوي دول المنبع القيام بها على نهر النيل وروافده. وضرورة أن يكون التصويت على القرارات في التنظيم المقترح لنهر النيل إما بالإجماع أو بالأغلبية. بشرط موافقة دولتي المصب. إن أُتفق على الأغلبية.
المتأمل لواقع وحيثيات تلك الأزمة؛ فإنه يدرك أنه لا توجد «أزمة حالة» تقتضي ردود أفعال عنيفة غير سلمية. وأنه يمكن السعي لتسوية تلك الأزمة عبر الدبلوماسية الناعمة، أو السبل القانونية.
الرؤى المتفائلة تذهب إلى أن مصر تمر بمشكلة قد تتحول إلى أزمة مالم توجد الحلول العاجلة لها. في المقابل تذهب الرؤى المتشائمة إلى أن الأزمة حقيقية ستتحول بشكل عاجل إلى كارثة. ما لم تتخذ الإجراءات الواجبة بما في ذلك أكثر تلك الإجراءات حدة. غير أنه رغم حجية كل طرف من الأطراف ووجاهة أسبابه، فإن التعامل مع تلك الأزمة لا يكون بالتهويل أو بالتراخي. وإنما بالاعتماد على واقعية الحلول.
أول هذه الحلول السعي مع الجانب السوداني. وفي إطار المكانة المتميزة الآن للدولة المصرية في قلب القارة الأفريقية. من أجل العمل على صياغة إطار قانوني ناظم جامع وملزم لجميع الدول المشاطئة لحوض نهر النيل. يراعي احتياجات دول المنابع ودول المصب في إطار السيادة الإقليمية المقيدة. وهي القاعدة المقبولة فقهاً وقضاءً فيما يتعلق بالاستخدام المنصف والعادل لمياه النهر. وكذلك عدم الإضرار الجوهري للدول الأخرى المشاطئة في مجرى نهر النيل.
أخيراً: رئيس الوزراء الإثيوبي أعلن في بيان مفاجئ عن دعوة دولتي المصب مصر والسودان إلى التعاون في إطار أن «مياه النيل يمكن تطويرها بشكل معقول ومنصف لصالح جميع شعوب الدول المتشاطئة، دون التسبب في ضرر كبير»، وهي دعوة إيجابية نرجو أن تتوفر لها إرادة سياسية إثيوبية، خاصة وأن القيادة السياسية المصرية منذ 2014 وهي تعلي من مبادئ التعاون ولغة التفاهم، وذلك على عكس ما كان يتحجج دائماً الجانب الإثيوبي من أن مصر ترفع دائماً راية التهديد بالقوة. وألا تكون مناورة للقوى الدولية الفاعلة، في ظل ارتفاع وتيرة التنافس الأمريكي – الصيني – الروسي في القارة الأفريقية عامة. ومنطقتي حوض النيل والقرن الأفريقي بوجه خاص.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية