بعض الجهلاء لا يعرفون دور المرأة الوفدية، ولا قيمتها، ولا أهميتها، في قضية استقلال البلاد، ولا يعرفون أيضًا قيمتها في حزب الوفد من الداخل، فهي عنصر فعال لتحقيق معادلة البقاء والاستمرار لهذا الحزب العريق.. بل أستطيع القول إن هؤلاء الجهلاء لا يعرفون قيمة الوفد الكبيرة الذي يُطهر نفسه دائمًا من الشوائب التي تعلق به في أوقات المحنة، ولا تستطيع الالتصاق بجسده الطاهر في أوقات الكفاح السياسي الذي يستهدف تثبيت دعائم وطن كبير نشأ الوفد من أجله وسيبقى جزءًا من دولة كبيرة عرفت معنى «الدولة» منذ آلاف السنين.
تعالوا نقرأ هذه الحكاية لنعرف قيمة المرأة الوفدية..
كان الغرب ينظر للثورة التي اندلعت يوم 9 مارس 1919، مثلما، كان ومازال، ينظر إلينا دائمًا، غير قادرين على حكم أنفسنا، ولا نستحق ذلك، ليطرح السؤال نفسه.. هذا الغرب الذي كان ينظر إلينا بازدراء، ألم يلحظ في تحليله أن المرأة المصرية، وقتها، كانت تقود الثورة عندما يتم حبس الرجال.. والسؤال الحقيقي الذي يجب طرحه أيضًا هل تعمد الغرب تجاهل دور المرأة المصرية في الثورة؟ وهل تعمد دعم قوى وتيارات ذات فكر منغلق حتى يهزم الثورة ويغلق الباب على إنجاز مهم حدث خلالها وهو خروج المرأة من البيت لتشارك في ثورة الغضب لأول مرة في تاريخ مصر؟.
كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وهي تصف ثورة 1919، في تحليل تم نشره وقتها وتحديدًا يوم 20 مارس 1919: «رد فعل شعبي واسع عبر عن نفسه بطريقة أو بأخرى بشكل سلمى، ربما لأنه لم يملك أسلحة التعبير الأخرى، لكنه قوبل في النهاية برد فعل وحشي.. والسؤال المطروح لا يكمن في هل يحق للمصريين أن يظفروا بحق تقرير المصير، وإنما هل في مقدور المصريين أن يحكموا أنفسهم بمعزل عن أي مساعدة ربما يقدمها الإنجليز لهم؟ تجربة حكم الشعوب نفسها بنفسها نجحت في بولندا والتشيك.
لكن على العالم أن ينتظر نتيجتها في أوكرانيا، وعليه أيضا أن ينتظر زمنا أطول ليرى مردودها في مصر، ذلك لأنها لا تملك حكومة جيدة، كما أن سوء العناصر الحاكمة، وليس شيئًا غيرها، هي التي أوقعت البلاد تحت قبضة الاحتلال البريطاني.. وحكم الأمة يتطلب درجة أعلى من الوعي الذاتي والقدرة على حكم نفسها، وهي شروط لا تتوفر إلا من خلال طبيعة المثقفين وحجمهم في أي أمة من الأمم.
لاحظ أن التحليل تجاهل دور المرأة في الثورة، ولم يذكر ما قامت به صفية زغلول وهدى شعراوي وسيزا نبراوي، في سابقة جعلت للمرأة المصرية دورًا في المجتمع، لتنتقل منذ اندلاع ثورة 19 من تابع يترك العمل العام والوظائف للرجال، إلى شريك أساسي وأصلي لا يمكن الاستغناء عنه خلال مرحلة بناء المجتمع.
كانت صفية مصطفى فهمى التي ولدت في عام 1878، من عائلة أرستقراطية معروفة، فهي ابنة «مصطفى فهمي» الذى تولى رئاسة وزراء مصر، وكان من أصل تركي، ولذلك كان غريبًا أن يتقدم «سعد زغلول» ابن الفلاح المصري لخطبة «صفية» بوساطة من صديقه «قاسم أمين».. وكانت المفاجأة هي موافقة صفية على الزواج من ابن الفلاح البسيط الذي أصبح بعد ذلك وزيرًا ثم نائبًا برلمانيًا فزعيمًا للمصريين.
خاضت «صفية زغلول» رحلة كفاح ونضال وحياة غير تقليدية، مع زوجها، ووهبت وقتها وحياتها للنضال الوطني الذي تزعمه في البلاد.
بعد أن تم القبض على سعد، وتقرر نفيه إلى جزيرة سيشل طلبت «صفية زغلول» أن ترافق الزوج والمناضل في منفاه، الحكومة البريطانية رفضت في أول الأمر، لكن عندما شعر الاحتلال الإنجليزي بخطورة وجود «صفية زغلول» بين صفوف المصريين تشجعهم وتحثهم على النضال من أجل الاستقلال، قرر الاحتلال أن يسمح لها بالسفر لمرافقة الزوج، وعندئذ رفضت وقررت البقاء بمصر لمواصلة النضال قائلة، «واجبى نحو بلادي أهم من «واجبى نحو زوجي».
وأصدرت «صفية» بيانًا عقب نفي «سعد» قالت فيه، «إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعد، فإن شريكة حياته تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذى وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن»، وألقى هذا البيان في مظاهرة فهتف أحد قادة المظاهرة «تحيا أم المصريين»، ومن يومها اكتسبت «صفية زغلول» لقب «أم المصريين».
لقد تحول بيت الزوجية الذى تحول اسمه إلى بيت الأمة إلى مصدر قلق للإنجليز بعد نفى سعد زغلول، لأن السيدة صفية فتحت أبوابه للثوار والمناضلين، وكانت البيانات والمنشورات يتم طباعتها في المنزل، وكانت تنطلق منه المظاهرات العارمة لتجوب شوارع القاهرة.
المرأة الوفدية مناضلة حقيقية.. ولكن الجهلاء لا يعلمون!
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية