أصدر المستشار بهاء الدين أبوشقة، رئيس حزب الوفد، بياناً بمناسبة الذكرى الثالثة بعد المائة لثورة 1919.
اقرأ ايضًا:
-
بعد انسحاب قورة .. «أبوشقة» و«يمامة» مرشحان لرئاسة حزب الوفد
-
أبو شقة يلقي خطاباً سياسياً مهماً في ذكرى ثورة 19 بحضور قيادات وشيوخ الوفد
-
ممثل النيابة الإدارية يلتقي اللجنة المشرفة على انتخابات رئاسة حزب الوفد
وفيما يلي نص البيان:
تحل غدًا ذكرى ثورة 1919 وتأسيس حزب الوفد الذي اقترن بهذه الثورة التي تعد أعظم الثورات في تاريخ البشرية. فقد بدأت إرهاصات هذه الثورة متمثلة في تأسيس الوفد المصري الذي خاض أول احتكاك مباشر مع المستعمر البريطاني خلال المطالبة باستقلال مصر. وكان يوم 13 نوفمبر عام 1918 الإرهاص الأول لثورة 1919، ولذلك تم اتخاذه عيداً وطنياً مصرياً يحتفل به الوفديون (عيد الجهاد) الذي ظل الاحتفال به حتى عام 1952.
الحرب العالمية الأولى
غدًا هو ذكرى صفحة وطنية مضيئة في تاريخ الحرية وكرامة وشرف المواطن المصري. والبداية كانت خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى «1914– 1918» وخلال هذه الحرب عانى المصريون كثيراً من الاحتلال ومن الضيق السياسي والاقتصادي الذي حرمهم من الاستفادة من مواردهم الاقتصادية وممارسة حقوقهم وحرياتهم العامة، ووقف النشاط السياسي، وشل حركة الهيئات النيابية والحزبية، ووقعت أضرار بالغة بحرية الصحافة وحرية الاجتماعات، وتم إعلان الأحكام العرفية وفرض الرقابة العسكرية البريطانية، وإعلان بريطانيا حمايتها على مصر. وشددت سلطات الاحتلال قبضتها على الشئون المصرية.. ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وشيوع أنباء انتصار بريطانيا، بدأت الصحف تكتب عن مبادئ الرئيس الأمريكي «ويلسون» في إقرار حقوق الحرية والاستقلال وتقرير المصير لكل الدول والشعوب، وهنا بدأ تأليف الوفد المصري.
سعد زغلول
تمثلت زعامة الحركة الوطنية بمصر في سعد زغلول، وكيل الجمعية التشريعية المنتخب، وزعيم المعارضة بها، ومعه زملاؤه الأعضاء البارزون فيها، وأخذ «سعد» يعمل لتأليف جماعة أو هيئة للمطالبة بحقوق مصر في الحرية والاستقلال والحكم النيابي.
وتفاقمت الأحداث بين إصرار المصريين على الحصول على الحقوق المشروعة وإصرار المحتل على إنكار هذه الحقوق.
وقد تجلى ذلك في اللقاء الذي جمع بين السير ونجت وكل من سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوي، وكان اللقاء يتسم بالتعالي، وأنهم بأي صفة يتحدثون باسم الشعب، وكان رد المصريين بالتوكيلات التي تجاوزت ثلاثة ملايين توكيل في وقت كان عدد سكان مصر في ذلك الوقت 11,5 مليون، مفوضين سعد زغلول زعيماً ومتحدثاً ومعبراً عن مطالب المصريين.
وتبلور حديث المقابلة في أن طلب سعد زغلول وزميلاه من السير ونجت إلغاء الأحكام العرفية والرقابة المفروضة على الصحف وسائر المطبوعات، وتحقيق الاستقلال لمصر.
رئيس الوزراء
واجتمع ممثلو الشعب المصري الثلاثة بحسين رشدي، رئيس الوزراء ووزير الداخلية، الذى أيد مسعاهم، وبدأ إجراءات تنفيذ ما سبق اتفاقهم عليه، وهو سفر وفدين أحدهما رسمي يترأسه حسين رشدي، والآخر شعبي برئاسة سعد زغلول، على أن يساند كل منهما سعى الآخر، ووافق السلطان أحمد فؤاد على سفر رئيس الوزراء، وعدلي يكن، وزير المعارف العمومية، إلى لندن لبحث مستقبل مصر السياسي مع الحكومة البريطانية.
ممثلي الشعب المصري
وفي يوم 13 نوفمبر 1918، قابل سعد زغلول ومعه عبدالعزيز فهمي وعلى شعراوي زميلاه في الجمعية التشريعية، السير ريجنلد ونجت، المندوب السامي البريطاني لدى مصر، فبدأت المواجهة المباشرة بين ممثلي الشعب المصري وممثل دولة الاحتلال.
وفى اليوم ذاته، أبدى المندوب السامي البريطاني لرئيس الوزراء المصري دهشته من أن سعد زغلول وزميليه يتحدثان عن أمر أمة بأسرها دون أن تكون لهم صفة التحدث باسمها، فأوضح رئيس الوزراء تمتعهم بهذه الصفة، بعضويتهم في الجمعية التشريعية، الهيئة التي تمثل الأمة المصرية من الناحية النظامية.
فأسرع سعد زغلول إلى تنفيذ ما سبق اتجاه الفكر إليه، بالاتفاق مع زملائه على تأليف هيئة تسمى الوفد المصري، مهمتها المطالبة باستقلال مصر، على أن تحصل على توكيلات من أفراد الأمة تخولها صفة التحدث باسمها لدحض الزعم البريطاني بافتقارهم إلى هذه الصفة.
الوفد المصري
وتألف الوفد المصري فعلاً في يوم 13 نوفمبر 1918، برئاسة سعد زغلول، وعضوية على شعراوي، وعبدالعزيز فهمي، وعبداللطيف المكباتي، ومحمد على علوبة، من أعضاء الجمعية التشريعية، ومحمد محمود، وأحمد لطفي السيد، الذى يمثل رجال الفكر والصحافة بين رجال السياسة والقانون والإدارة، وكانوا يعتنقون المبدأ «الليبرالي»، ويمثل أكثرهم طبقة كبار الملاك.
الحكومة البريطانية
واشتدت الأزمة السياسية في مصر بقبول السلطان أحمد فؤاد استقالة وزارة رشدي في أول مارس 1919، فقد وافقت الحكومة البريطانية على سفر رئيس الوزراء ووزير المعارف العمومية إلى لندن في فبراير أو مارس 1919، ولكنهما اشترطا لسحب استقالتيهما وسفرهما، السماح بالسفر لكل المصريين، ولكن الحكومة البريطانية رفضت وقبل السلطان استقالة الوزارة، فاستاء الرأي العام المصري من تحول موقف السلطان من مساندة الحركة الوطنية إلى الخضوع للسياسة البريطانية.
رأى المسئولون البريطانيون في كفاح الوفد تحدياً لهم، وتشهيراً بتصرفاتهم، وتحريضاً للشعب على مقاومة السلطات، وعرقلة تأليف وزارة تساير السياسة البريطانية، وظنوا أن سياسة التهديد والعنف كفيلة بالقضاء على هذه الحركة في مهدها فاستدعى الجنرال وطسن، نائب قائد القوات البريطانية فى مصر، يوم 6 مارس 1919، رئيس وأعضاء الوفد، وأنذرهم بالمعاملة الشديدة إذا قاموا بأى عمل يعرقل سير الإدارة.
فبادر رئيس الوفد بإرسال برقية إلى لويد جورج، رئيس الوزارة البريطانية، احتج فيها على تصرف السلطة البريطانية، وأكد طلب الاستقلال وبطلان الحماية، وطلب حل الأزمة بالسماح للوفد بالسفر لعرض قضية مصر على مؤتمر الصلح، فتأكدت السلطة البريطانية من إصرار الوفد على موقفه.
رئيس الوفد سعد زغلول
وفي مساء السبت 8 مارس 1919، ألقت مجموعة من الجيش البريطانى القبض على رئيس الوفد سعد زغلول وثلاثة من أقطابه، هم: محمد محمود وإسماعيل صدقي وحمد الباسل، واعتقلوهم في ثكنة قصر النيل طوال الليل، وصباح اليوم التالي، الأحد 9 مارس، نقل قادة الوفد الأربعة إلى بورسعيد بالقطار، ومنها بالباخرة إلى جزيرة مالطة حيث المنفى والمعتقل.
كان القبض على أقطاب الوفد الأربعة ونفيهم إلى مالطة بعد أن تعلقت آمال المصريين بالوفد هو الشرارة التي فجرت طاقات الشعب المكبوتة.
ففي صباح الأحد 9 مارس 1919 اندلعت ثورة المصريين احتجاجاً على الحماية والاحتلال البريطاني الذى فرضها، وما صاحبهما من ظلم واستغلال، وعلى المصير الذى آل إليه القادة المصريون المعبرون عن مطالب شعبهم وأمانيه.
ميادين القاهرة
وفى اليوم التالي 10 مارس 1919 اتسع نطاق الثورة بأن أعلن جميع طلبة المدارس والأزهر الإضراب العام وألفوا تظاهرة كبرى، وانضم إليهم أفراد من سائر فئات الشعب، واخترق الجميع شوارع وميادين القاهرة ومروا بدور المعتمدين السياسيين هاتفين بحياة مصر والحرية والوفد، منادين بسقوط الاحتلال والحماية، فأطلقت جماعة من الجنود البريطانيين النار على المتظاهرين، وسقط أول شهيدين، وأتلف بعض المتظاهرين كثيراً من قطارات الترام وعطلوها، وأضرب عمال شركة ترام القاهرة عن العمل، فتوقفت جميع قطاراتها، كما توقف قطار هليوبوليس الكهربائى في سيره عند محطة كوبرى الليمون، وحطم المتظاهرون بعض المحلات التجارية المملوكة للأجانب ومصابيح وأشجار بعض الشوارع، وبادر الطلبة بإذاعة منشور في الصحف العربية والأجنبية أعلنوا فيه أسفهم على حوادث الاعتداء على المرافق العامة والممتلكات الخاصة ودعوا إلى الإقلاع عن هذا.
الجيش البريطاني
ثم تزايدت الأعمال الثورية وامتدت إلى كل الأقاليم، فتصدى الجيش البريطاني لها بعنف وسقط الشهداء والجرحى من المصريين، فطغت أخبار الثورة على صفحات كل الصحف المصرية التي حملت على أعمال العنف والتخريب، وحاول بعضها نقد سياسة المحتل البريطاني.
كفاح الوفد في الخارج
فشلت الحكومة البريطانية وسلطاتها في مصر في مواجهة الثورة بوسائل الكبت والقهر، فاتجهت إلى مهادنة الثوار والتخفيف من حدة الثورة، بالسماح للقادة المصريين بالسفر لعرض قضية مصر في لندن أو باريس، وتشكيل وزارة مصرية معتدلة، تجدد لها الدعوة لزيارة لندن، ولم تتخذ الحكومة البريطانية هذا الموقف إلا بعد نجاحها في إقناع حلفائها في مؤتمر السلام بالاعتراف بالحماية البريطانية على مصر، وانتفاء أي ضرر يصيب المصالح البريطانية من عرض المطالب المصرية على المؤتمر أو الحكومة البريطانية، وقد صدر الإفراج عن قادة الوفد المنفيين يوم 7 أبريل 1919 فاتجهوا من مالطة إلى فرنسا ولحق بهم باقي أعضاء الوفد المصري الذين سافروا من القاهرة يوم 11 أبريل إلى مالطة، حيث التقوا بسعد زغلول وزملائه الثلاثة، وأبحروا جميعاً إلى فرنسا فوصلوا إلى مارسيليا يوم 18 أبريل 1919.
واندلعت الثورة وشارك فيها الشباب والشيوخ ورأينا سيدات استشهدن ومصابات ورأينا شعار الوفد «يحيا الهلال مع الصليب» واستمر حتى الآن ورأينا مشاهد تجسد الوطنية الحقيقية والانتماء للوطن قبل أي شيء.
مجلسي النواب والشيوخ
وأن مصلحة مصر هي الهدف، ورأينا الشيخ دراز يخطب في الكنيسة والقس سرجيوس يخطب فى المسجد، و«نموت نموت وتحيا مصر.. عاش الهلال مع الصليب»، وقد رضخ المستعمر، وكنا أمام تصريح 28 فبراير، وكنا أمام دستور أمام 1923 وكنا أمام نهضة تشريعية تشهد لها مضابط مجلسي النواب والشيوخ، وصورة ناصعة لثورة شعبية حقيقية أسست لدولة وشهد لها المؤرخون بأن المصريين توحدوا على كلمة واحدة، وهي «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، الباشوات مع الجلاليب الزرقاء، وكانت ثورة 1919 بداية انطلاق لتحرير الشعوب ولا أدل على ذلك من مقالة الزعيم الهندي غاندي الذى أسس حزب المؤتمر، بأنه تعلم الوطنية من سعد زغلول.
إنما نذكر أبناء الجيل والأجيال السابقة بهذا اليوم الوطني الذي كان الوجه الآخر له ثورة 30 يونيه كثورة شعبية حقيقية، خرج فيها حسب تقرير جوجل 33 مليون مصري في وقت واحد بجميع المحافظات، حماية للدولة المصرية وليؤكدوا أن إرادة المصريين لا تقهر، وأنها الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كل المؤامرات والفتن ضد الوطن والمواطن.
ذكرى ثورة 1919
وبمناسبة أن ذكرى ثورة 1919 تصادفت مع الاحتفال بيوم الشهيد، فإننا نذكر هذا اليوم بالفخر بأبناء القوات المسلحة الباسلة والشرطة الذين افتدوا مصر بأرواحهم ولنتضرع إلى الله بأن يدخلهم فسيح جناته ولأهلهم نقدم خالص العرفان، وحزب الوفد ومصر كلها تقدران ولا ينسيان دورهم البطولي لفداء الدولة المصرية والمواطن المصري، لتحيا مصر وترتفع أعلامها عالية خفاقة، وتحيا مصر.
بهاء الدين أبو شقة
رئيس حزب الوفد
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية