في خضم أزمة اقتصادية خانقة تمر بها مصر والعالم، انفجرت ظاهرة «مستريحين أسوان»؛ ومن أسوان جنوباً إلى البحيرة والشرقية والجيزة والمنوفية شمالاً، قبلي وبحري تتكشف حالات عن عديد «المستريحين» يومياً.
في مجال السياسة والإرهاب، «الذئاب المنفردة» مفهوم جديد الإطلاق نسبياً في علم السياسة، و«الذئاب المنفردة» هم أشخاص يقومون بعمليات إرهاب مسلحة بوسائل مختلفة بشكل منفرد، وإذا ما عدنا إلى سبب ربط هذا النمط بكلمة الذئاب، ذلك لأن الذئاب هي تلك الحيوانات التي يتغنى بها العرب والغرب التي تتميز بالشجاعة والقدرة على اقتناص الفرص والغدر في الوقت نفسه.
انسحاباً على الاقتصاد يمكن أن نوصف «المستريحين» بالذئاب الاقتصادية؛ لأنهم يستغلون الأمية الاقتصادية والدينية لمواطن يطمع في الثراء السريع.
ظاهرة «المستريح» في بر مصر تكشف عن ثلاث أزمات رئيسية جميعها تتعلق بالمدرك والوعي. الأزمة الأولى ذات شقين: الأول؛ يتعلق بمدى المدرك العام لغالبية المصريين ووعيهم بصحيح الدين؛ وهي الثغرة الأولى التي ينفذ منها أي مستريح، في ضوء «فتاوى السوشيال ميديا» وفيديوهات «شيوخ السوشيال ميديا» الذين اعتبرهم أخطر من مهازل المهرجانات و«التيك توك». حيث الانتشار الكثيف للفتاوى المتشددة الناتجة عن جهل تام بالنصوص الشرعية الخاصة بالتعامل مع البنوك على وجه الخصوص بالنسبة لمشروعية الفوائد المقطوعة على الودائع والمدخرات البنكية باعتبارها من المعاملات المستحدثة، كذلك حكم الفوائد التي يتقاضاها البنك على عمليات الإقراض للأفراد، وما طرأ عليها من تحديثات فقهية ودراسات شرعية أكدت على شرعية التعامل والاستثمار عبر البنوك والمسارات الاقتصادية الآمنة.
الشق الثاني؛ وهو جزء لا يتجزأ عن سابقه؛ يتعلق بمدى ثقة المصريين بالمؤسسات الشرعية الرسمية المنوط بها الفتوى الدينية وتصحيح مدركات المصريين تجاه فهم واعي لعموم الدين، ويجب الإقرار أنه رغم الجهود الكبيرة لدار الإفتاء المصرية، والسعي الدائم لتحديث أدواتها خاصة فيما يتعلق بأدوات التواصل الحديثة، لكن لاتزال هناك حلقة مفقودة، وفجوة يستغلها جهلاء الدين على السوشيال ميديا.
الأزمة الثانية ترتبط ارتباط وثيق بــ «الأمية الاقتصادية» والحاجة لوعي اقتصادي عام بمدركات الاقتصاد. أدواته ومؤسساته، ويجب الإقرار أيضاً بأن هناك قطاع كبير من المواطنين لا يفضلون التعامل مع البنوك والبورصة. ولديهم خشية من المؤسسات المالية بسبب عدم فهم ما تقدمه من خدمات.
وجود حد أدنى من الثقافة الاقتصادية للمواطنين لا يفيد فقط في إدراك الأحداث والتطورات الجارية. لكنه يؤثر أيضاً في التحوط للمستقبل خاصة فيما يتعلق بكيفية تعامل المواطن العادي. مع مخاطر التضخم والأثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها داخلياً.
ورغم الجهود الحكومية الكبيرة في إقرار الشمول المالي وآلياته. لا يزال هناك قطاع من المواطنين وبدون وعي يبحث ويطمع في العوائد السريعة فيصبح فريسة سهلة لقطعان الذئاب من المستريحين.
الأزمة الثالثة؛ خاصة بالاقتصاد غير الرسمي وهي أزمة عميقة كامنة في الاقتصاد المصري عبر سنوات وسنوات، أحد أبرز دلالات ظاهرة المستريحين، حجم السيولة المالية المتوفرة لدى قطاعات من المفترض أنها «دون الطبقة الوسطى»، أغلب الحال أن هذه التدفقات النقدية تأتي من أنشطة خارج الاقتصاد الرسمي.
تشير البيانات إلى أن متوسط نسبة الاقتصاد غير الرسمي في كل من مصر والمغرب ولبنان والجزائر هو الأكبر نسبيًّا. حيث يبلغ 34.3%، 34.1%، 31.6%، 30.9% على الترتيب. بينما تبلغ تلك النسب أدناها في كل من دول مجلس التعاون الخليجي. بمتوسط تبلغ نسبته 27% من الناتج المحلي الإجمالي الرسمي لهذه الدول.
يشكل الاقتصاد غير الرسمي جزءًا مهمًّا في الاقتصاد المصري؛ حيث يساهم في الناتج المحلي الإجمالي. حسب تقديرات حكومية بما يعادل نحو 40% (نحو 2.6 تريليون جنيه) من ناتج الاقتصاد الرسمي. البالغ 6.4 تريليونات جنيه لعام 2020/2021. كما يستوعب هذا القطاع نحو 50% من قوة العمل البالغة نحو 29.3 مليون فرد، كما يبلغ عدد وحداته الصغيرة والمتوسطة أكثر من أربعة أمثال عددها في الاقتصاد الرسمي، وهي أرقام ضخمة، وجودها بعيداً عن الرقابة يحرم الدولة من مدخلات ضريبية كبيرة تقدر بنحو 400 مليار جنيه، والتي يمكن أن تغطي نسبة تتجاوز 85% من إجمالي العجز الكلي (475 مليار جنيه) في موازنة الدولة.
لذلك؛ فالظاهرة متعددة الأوجه والجوانب، في حاجة لحلول عاجلة، وحلول على المدى البعيد. أول هذه الحلول العمل على رفع الوعي والمدرك العام للمصريين دينياً واقتصادياً.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية