مفهوم «الحوار» هو من المفاهيم حديثة العهد نسبياً في الأدبيات السياسية والثقافية، واصطلاحاً؛ فإن الحوار هو تداول للأفكار يجري بين أطراف عدة حول موضوع محدد أو أكثر للوصول إلى هدف معين، فما هي أهدافنا المرجوة من الحوار الوطني؟؟.
لابد من الإقرار بأن دعوة الرئيس السيسي التي ألقاها في خطابه أمام إفطار الأسرة المصرية إلى إجراء حوار سياسي بين القوي السياسية المختلفة؛ قد جاء صداها سريعاً؛ حيث رد الفعل الفوري المتمثل في عودة الحياة إلى أروقة الأحزاب السياسية – خاصة تلك غير الممثلة في البرلمان ــــــ والتي شهدت اجتماعات ولقاءات مكثفة استعداداً للمشاركة في فعاليات الحوار المنتظر.
غير أن هذا الحراك في حاجة إلى أُطر وقاعدة منطلقات جادة متوافق عليها حتى لا يتحول الحوار إلى «مكلمة سياسية» أو «كرنفال سياسي» ونحن أحوج ما نكون إلى حِوَارٍ فَاعِلٍ وَجَادٍّ في ظل ما يموج به المحيطين الدولي والإقليمي بعديد التحديات.
أول محددات هذا الحوار الفاعل أتصور أن ترتكز إلى تحديد ماهية الحوار نفسه، في أنه حوار وطني جامع، وليس حوار سياسي قاصر على السياسيين فقط؛ حيث الهدف الأول للحوار يتمثل في دعم وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية للمساهمة في عمليات صنع القرار وصياغة السياسات العامة، من خلال تمثيل متكافئ لكافة الشرائح المجتمعية المختلفة، في إطار واسع وممتد يطلق فرصاً لتبادل المعلومات والأفكار والآراء بما يعمل على تطوير حلول واقعية للقضايا والتحديات ذات الأولوية بالنسبة للمجتمع المصري.
ثاني تلك المحددات؛ يتمثل في ضرورة التوافق على أجندة الحوار بحيث تكون أجندة «تحديات»، انطلاقاً من منطق دولة تواجه تحديات، وليس منطق الدولة «المأزومة»، ومن ثم يصبح الحوار وطنياً وأداةً قويةً وقادرة على ترسيخ العلاقات الاجتماعية، وتسهيل إيجاد حلول من خلال جمع الأطراف الاقتصادية والاجتماعية والحكومة على طاولة الحوار لمواجهة هذه التحديات.
المحدد الثالث؛ يتعلق بالتوافق حول تحديد المفاهيم الرئيسية لقضايا الحوار، وأهمها مفهوم الديمقراطية، فالهدف الرئيسي هو التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة في سياق الجمهورية الجديدة، وبالتالي يجب تناول الديمقراطية من المنظور الواسع والشامل لها، وليس الديمقراطية القاصرة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فقط، بل هي إِطَارٌ شَامِلٌ؛ دستوري، سياسي، اقتصادي واجتماعي، ثقافي ومؤسسي. يشمل كذلك قضايا الحكم المحلي والإدارة العامة. لذلك ينبغي التأكيد على أنه لا ديمقراطية حقيقية وحريات مدنية دون دولة قوية وقادرة.
لا تحدثني عن الديمقراطية وأنا أخوض حرباً ضارية في مواجهة الإرهاب ومحاولة اللحاق بقطار التنمية وتثبيت أركان الدولة وتعزيز الهوية الوطنية. أما وإن استقرت دعائم الدولة وانطلق قطار التنمية في كافة أنحاء مصر، يمكن لنا الحديث عن تحول ديمقراطي فاعل ووطني.
رابع تلك المحددات؛ يتعلق بقيمة المعرفة وتأثيرها على فاعلية الحوار وجلساته من عدمه. حيث فنيات الحوار الناجحة تتطلب التركيز على استخدام الأرقام والاحصائيات الدقيقة والحديثة. التي تحدد تسلسل الموضوع ومؤشراته المهمة والابتعاد عن الانطباعات الشخصية في عرض وجهات النظر. وهو ما يتطلب اِسْتِعْدَادًا جَاد ومراجعة دقيقة لكافة القضايا والموضوعات. بحيث يكون موضع تقييم جاد ما تم إقراره من سياسات وتوجهات في مختلف المجالات. ووضع مقترحات للتطوير والتحديث والبناء على ما تم الانتهاء إليه. حيث المتحاورين يبدؤون بمعرفة الواقع والمشكلات «كشف الحقيقة». وما هي الإجراءات الضرورية الواجبة، ما هي المطالب والرغبات، وما هي الإمكانيات الحقيقية لعلاج هذا الموضوع أو ذاك.
خامس المحددات لضمان فاعلية الحوار يقترن بكيفية الاتفاق والاختلاف. وليس بالضرورة أن تقوم عملية الحوار على مبدأ الاتفاق. بل أحياناً الاختلاف الصحي في الآراء مطلوب ـــــ فالمرتكز الأساسي هنا هو ضرورة تمثيل مختلف مكونات المجتمع. التي تحمل آراء ووجهات نظر متباينة حول مختلف القضاياــــــ لكن في المقابل أيضاً. لا يعني ذلك أن ننتهي إلى «الحالة الصفرية» حيث أرباح أحد الطرفين تساوي خسائر الطرف الآخر. والهدف أن ننتهي إلى «win-win situation »، أو الوضع المربح لكافة الأطراف. وأن يكون الاتفاق على هدف واحد هو أن الرابح أولاً وأخيراً هي مصر.
أخر تلك المحددات يتعلق بمخرجات الحوار؛ حيث المخرج الطبيعي لأي حوار هو التوافق. لذلك فالأمنيات المرجوة أن تسفر جلسات الحوار وتنتهي بالتوافق حول الركائز الأساسية للجمهورية الجديدة. دستورياً، سياسياً، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لصالح مصر والمصريين أولاً وأخيراً.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية