مع تزايد ضغوط الركود الاقتصادي العالمي؛ ارتفعت التوقعات والأمنيات بنهاية قريبة للنزاع الروسي الأوكراني، غير أن الأحداث على المسرح العالمي تسير مخالفة لتلك التوقعات، حيث النظام العالمي يتجه لمزيد من التعقيد والتشابك، وأنه لا نهاية قريبة للنزاع الروسي الأوكراني؛ بل على العكس بدأت توابعه في الظهور والتوالي؛ ما بين صربيا وكوسوفو.
التهديدات التركية بالتدخل في سوريا، والتحفز الإسرائيلي الإيراني المستمر والمتصاعد. وانتهاءً بزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، في استفزاز جيوبولتيكي جديد من الكتلة الغربية لمنافس استراتيجي ممثلاً في التنين الصيني الكامن، والذي كان قد اختار منذ أكتوبر 2003 استراتيجية «الصعود السلمي»، وكذلك التسلل الناعم لمفاصل النظام الدولي، من خلال الانتقال التدريجي إلى مرتبة لاعب أساسي وفاعل دولي رئيسي في العلاقات الدولية والنظام الاقتصادي العالمي، لكن دون تهديد مباشر لأمن واستقرار النظام الدولي العالمي. فأي رسالة تبعث بها الولايات المتحدة للعالم؟
زيارة بيلوسي قد يراها البعض زيارة عابرة، لا تمثل أي شيء، لكنها تأتي في توقيت يعني الكثير للعالم بأكمله، فالنظام العالمي بهندسته ودينامياته القائمة ما بعد الحرب الباردة على المحك، ومن الواضح على نحواً جلي أننا في طور نظام عالمي جديد يتشكل، في مواجهة ذلك تسعى الإدارة الأمريكية الديمقراطية بقيادة الرئيس بايدن لتجاوز عثرات الداخل، وتعزيز صورة القطب الواحد الفاعل والمهيمن منذ نهاية الحرب الباردة، بدأها الرئيس الأمريكي وأعلنها بوضوح في قمة جدة؛ أنه لا تراجع أمريكي في مواجهة النفوذ والتمدد الصيني الروسي. يزيد من ضغوط ذلك اقتراب انتخابات التجديد النصفي وسط تراجع لشعبية الديمقراطيين. على ضوء التراجع الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة.
على الجانب الأخر؛ العالم حبس أنفاسه متتبعاً مسار طائرة نانسي بيلوسي. التي أعلن موقع «فلايت رادار 24» أنه كان الأكثر تعقباً في العالم. وذلك في ضوء التهديدات الصينية التي بلغت حد اعتراض طائرة المسئولة الأمريكية رفيعة المستوى. غير أن تراجع الصين عن تهديداتها، وإذا ما سمعنا ضجيجاً صينياً دون طحن، فإن ذلك سوف يؤثر بالسلب على صورة الرئيس الصيني الذي يستعد لولاية رئاسية ثالثة، وكذلك على النفوذ الصيني ومشروعها التمددي في آسيا وأفريقيا، وعلى الأخص الحلم الصيني الكبير ممثلاً في «طريق الحرير».
لذلك فالقادم على المسرح العالمي، إما أنه سينحصر في ردود أفعال كلامية لا يتجاوز حد التهديدات والتصريحات الحادة، أو أنه ساخن وخطير جداً، وأكثر إيذاءً من تبعات النزاع الروسي الأوكراني، خاصة في ظل التوقعات المتشائمة من المؤسسات المالية والنقدية الدولية؛ حيث توقع تقرير صادر عن صندوق الدولي نهاية شهر يوليو الفائت، تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتراجعه إلى أكثر من 2.9% خلال عام 2023، وأن هذا التباطؤ والركود سوف يشمل كل من الجماعة الأوروبية، الولايات المتحدة الأمريكية، والصين. لذلك فالعالم لم يعد يحتمل المزيد من التأثيرات السلبية الاقتصادية الناجمة عن النزاعات والصراعات «الجيوسياسية» بين القوى الكبرى.
وفي ظل مؤشرات ضبابية وغير متفائلة لمسار الاقتصاد العالمي. فإنه على القوى الدولية العمل لحماية العالم من مخاطر الانزلاق نحو الهاوية. والتي ستطال الجميع. فهل استوعبت القوى الكبرى الدرس الأوكراني؟!!. على ما يبدو أنه لا، لذلك فالقادم قد يكون أسوء والتحوط لمخاطر وتداعيات جديدة مطلوب شعبياً وحكومياً.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية