هو مهندس السياسة الذي لا يتكرر، ووزير الأشغال العمومية الذي صنع لهذه البلاد البنية الأساسية لمنظومة الري الحديثة، ونتاج المرحلة الأهم في تاريخ مصر، عندما كانت الكفاءة تقودك إلى الصدارة دون واسطة أو محسوبية، وهو مؤسس نقابة المهندسين المصريين.
تعالوا نتعرف على الوزير الوفدي عثمان باشا محرم وزير الأشغال العمومية الذي لا يتذكره إلا من يعرف قيمته!
دراسة مهمة أعجبتني كتبها المهندس طارق بدراوي تلخص سيرة عثمان محرم نحصل منها على مقتطفات، قال فيها إن عثمان محرم باشا وهو وزير وفدى مهم لم يكن في عمله العام يميز بين فرد وآخر من مواطنيه ولم يكن يفرق بين أرض وأرض أو إقليم وإقليم إذ كان يعتبر الأراضي الزراعية كلها لخدمة الناس جميعا مع اختلاف ملاكها وكان ينظر إلى الإنتاج على أنه هو مجموع الثروة القومية.
ويمكننا ببساطة شديدة اكتشاف وتأكيد ذلك من العديد من المواقف والتصرفات والأعمال خلال حياته العملية مما يدل على تأصل هذه الفكرة لديه، فمثلا كان عبدالمجيد إبراهيم صالح وأخوه عبدالحميد إبراهيم صالح هما أول من رخّص لهما عثمان محرم باشا في الري الصيفي من ترعة النوبارية وكان لا يربطه بهما أي علاقة قرابة أو نسب أو حزبية، فهما من الصعيد محافظة أسيوط ويمتان بصلة القرابة لأسرة محمود سليمان باشا والد محمد محمود باشا زعيم حزب الأحرار الدستوريين والخصم العنيد لحزب الوفد ورئيسه مصطفى النحاس باشا.
وفى الوقت نفسه رفض عثمان محرم باشا الترخيص لياسين سراج الدين في الري بنفس المنطقة ومن المعروف أنه شقيق فؤاد سراج الدين باشا الذى كان من الرجال البارزين في حزب الوفد والذى تقلد منصب السكرتير العام للحزب وكان بمثابة الرجل الثاني فيه بعد رئيسه وعلاوة على ذلك فقد تقدم مصطفى مرعى عضو مجلس النواب إلى عثمان محرم باشا في يوم 24 يناير عام 1950 بطلب خاص بإنشاء كوبرى أمام بلده فنظر إلى الطلب نظرة الوزير الذى يعتبر نفسه خادما لجميع مواطنيه لا يعرف منهم نصيرا أو معارضا فأعطى التعليمات بإقامة الكوبرى أمام بلد مصطفى مرعى.
كما تقدم يوسف الريدي بطلب خاص بإنشاء كوبري على ترعة الإبراهيمية حتى يتيسر للأهالي الوصول إلى أراضيهم بالبر الغربي فوافق على إدراج الميزانية اللازمة لإقامة هذا الكوبرى بميزانية العام التالي لتقديم الطلب.
والخلاصة أن عثمان محرم باشا كان يعد نفسه خادما للجميع لا يرفض لأحد طلبا متى اقتنع بأحقيته ووجد أن فيه ما يخدم المصلحة العامة ومتمشيا مع السياسة العامة والمشروعات التي تحتاجها البلاد وإلى جانب ذلك كان عثمان محرم باشا رجلا سمحا.
وقد حدث أثناء اجتماع مجلس الوزراء في شهر أكتوبر عام 1950. أن طلب معالى الدكتور طه حسين وزير المعارف العمومية من محمود شوقي السكرتير العام لمجلس الوزراء إعادة قراءة إحدى فقرات مذكرة من المذكرات المعروضة لاتخاذ قرار فيها. نظرا لأن معاليه لم يستمع لهذه الفقرة في وضوح أثناء قراءة السكرتير العام له. إلا أن عثمان محرم باشا وكان يشغل منصب وزير الأشغال العمومية في هذه الوزارة انبرى قائلا: يا حضرات الزملاء كان واجبا أن تقرأوا المذكرات قبل حضور جلسة المجلس. فتأثر الدكتور طه حسين وكظم غضبه لكن وضحت آثار الغضب على وجهه ولاحظ رئيس مجلس الوزراء مصطفى النحاس باشا ذلك فأمر معالي وزير الاشغال العمومية بالاعتذار لمعالي وزير المعارف العمومية؛ فقام إليه بكل سماحة نفس معتذرا وقبّل جبينه.
وقد شهد المهندس أحمد عبده الشرباصي وزير الأشغال الأسبق بدور شيخ المهندسين عثمان محرم باشا في البدء في تنفيذ فكرة الإسكان الشعبي قبل ثورة 23 يوليو عام 1952. علما بأن أحمد عبده الشرباصي كان في شبابه يختلف في الميول الحزبية عن عثمان محرم باشا. ومع ذلك فعندما توفى عثمان محرم باشا عام 1958 وكان أحمد عبده الشرباصي وزيرا للأشغال لم يتردد في رثائه والإشادة به وذهب إليه البعض. وسألوه كيف وهو وزير في ثورة حاكمت عثمان محرم باشا أن يرثيه وكيف وهو من أعضاء حزب الأحرار الدستوريين أن يشيد ويرثى واحدا من قادة الوفد. فسجل الشرباصي أن عثمان محرم باشا هو الذى بدأ مشروعات الإسكان الشعبي قبل أن تعرفه وزارات 23 يوليو عام 1952.
كلّف عثمان محرم بعض المهندسين بوضع مشروع إنشاء وتأسيس نقابة للمهندسين. وقد احتضنت وزارة الوفد هذا المشروع وصدرت مجلة المهندسين لتكون صوتًا لهذه النقابة وهكذا تم تأسيس نقابة المهندسين على يد شيخ المهندسين عثمان محرم باشا. وكان من أوائل الذين انضموا إليها وكان رقم عضويته هو (6) وتم اختياره نقيبا للمهندسين.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية