قبل عدة أيام صادفني تقرير على إحدى المنصات الإعلامية، عن حجم ثروات بعض الدعاة، وتوقفت أمام دهشة غالبية المتابعين لهذا التقرير وردود أفعالهم!..الحقيقة أن التقرير كان بمثابة صدمة لكثيرين بسبب حجم الثروات التي حققها البعض باسم الدين والدعوة بعد أن سرد التقرير أعداد القصور والفيلات والعقارات والمزارع والسيارات والأموال والزيجات وغيرها من مظاهر الترف التي يعيشها بعض الدعاة، وغالبيتها أسماء يعرفها المصريون جيدًا من خلال الفضائيات التي ساهمت في شهرتهم وفرضها على المصريين وارتباط كثير من البسطاء بهذه الأسماء.
وكلنا يعلم أن الدين أفيونة الشعوب خاصة في مجتمعات دول العالم الثالث وبين الشرائح الأكثر فقرًا وغالبًا ما تعانى من الجهل والمرضى، ويصبح الدين ملاذها الأخير وأحياناً الشعوذة، وللأسف رأينا استغلال بعض من ادعوا العلم والحديث باسم الدين لهذه الشرائح وحققوا من خلالهم نسب مشاهدة عالية، وأصبح لهم مريدون ودراويش، ووصل الأمر ببعضهم إلى استغلال مناسبات الحج والعمرة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المالية.
وأذكر أن أحد أصدقائي من أصحاب شركات السياحة الدينية، التقى بأحد هؤلاء الدعاة في المدينة المنورة، وطلب منها إلقاء محاضرة على اعتبار أنه صديقه وبلدياته، وفوجئ برده بأن تحديد الموعد مع شقيقه، والتقى بالفعل مع شقيق هذا المحاضر، وفوجئ بلائحة الأسعار المحددة حسب وقت المحاضرة واليوم ومواقيت الصلاة، وكان أعلاها أجرًا المحاضرة عقب صلاة المغرب، والدفع مقدمًا!
صحيح أن مصر بلد العلماء وقدمت للأمة الإسلامية على مدار تاريخها المئات والآلاف من كبار العلماء، وقادت تيار الإسلام الوسطى المعتدل على يد نخبة من كبار العلماء أمثال الشيخ محمد متولى الشعراوي إمام الدعاة الذى وهب حياته وعلمه للدعوة، وكان عوضًا عن غياب مؤسسات الدولة الرسمية في هذا الشأن في بعض الأوقات، وبغيابه وغياب بعض المؤسسات، زاد أعداد مدعى العلم والدعوة من خلال فضائيات عشوائية تبث سمومها في المجتمع.
وتجلت كل هذه المظاهر بعد أحداث يناير 2011 في شكل فوضى عارمة ضربت المجتمع على شتى المستويات ورأينا هذه الشريحة من الدعاة يتحولون إلى حناجر سياسية وانحازوا بوضوح إلى فصيل الإخوان المسلمين، وعايشنا تحول المساجد إلى منابر سياسية، وكشف الجميع عن وجوههم الحقيقية، وتكشفت معها هشاشة المؤسسات الرسمية للدولة واختراقها من قبل هذه الجماعات وهؤلاء المدعين، وعندما حاولت الدولة استعادة سيطرتها وهيبتها، كان السلاح جاهزًا في وجهها لفرض الأمر الواقع بالقوة، وبعد أن انتقلت المعركة لمواجهة الشعب المصري باتت الشائعات هي ملاذهم الأخير.
مؤكد أن مصر تمتلك ما لا تمتلكه دولة إسلامية أخرى في هذا الشأن، وهو الأزهر الشريف الذى يعد أقدم وأعرق جامعة إسلامية ويضرب بجذوره فى أعماق التاريخ لأكثر من ألف عام، ويقوده العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب الذى يكن له الشعب المصري والشعوب الإسلامية تقديراً ومحبة واحتراماً كبيراً بسبب إنسانيته وزهده وعلمه وتطوعه للعمل من أجل الدعوة وترسيخ المفاهيم الحقيقية لسماحة ووسطية الإسلام، والحقيقة أن الأزهر الشريف قادر على مواجهة كل أشكال التطرف والغلو والتشدد، وقادر أيضاً على مواجهة كل المظاهر السلبية التي تسربت إلى المجتمع واستغلها البعض من أجل التجارة والتربح.
حمى الله مصر
نائب رئيس الوفد