سيبقى خطاب الرئيس السادات، القائد الأعلى للقوات المسلحة، يوم 16 أكتوبر 1973، أمام مجلس الشعب، لاطلاع ممثلي الأمة، على تطورات الأوضاع على الجبهة، واحدًا من أهم وثائق حرب أكتوبر المجيدة.
الخطاب يستحق أن تستعيد مفرداته، ويجب علينا أن ندرس تفاصيله لأبنائنا في المدارس، فهو خطاب إعادة الروح لوطن كان على مشارف الموت وجاءته قُبلة الحياة على يد أبطاله الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم وقالوا إن هذا الوطن لا يموت ما بقيت فيه قواته المسلحة التي كما وصفها السادات بأنها درع وسيف.
الخطاب الذي يجب أن نستدعيه كلما أردنا إذكاء الروح الوطنية، فيه عبر ودروس لمن يريد تنقية هذا البلد. من أفكار خبيثة تسللت إليه عبر من لا يعترفون بوجود الوطن ويريدون للأممية الفكرية والدينية أن تسود. فهو خطاب الانتماء الذي نحتاجه لمواصلة البناء. لأن تذكر المحنة يجعلنا ندرك دائمًا أننا في نعمة تستحق الحفاظ عليها واستثمارها لكى نصبح في وضع أفضل.
قال السادات…«لست أظنكم تتوقعون منى أن أقف أمامكم لكى نتفاخر معًا ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يومًا من أهم وأخطر بل وأعظم وأمجد أيام التاريخ، وربما جاء يوم نجلس فيه معًا لا لكى نتفاخر ونتباهى ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجئ يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء».
وقال أيضاً…«لقد كان كل شيء منوطًا بإرادة هذه الأمة، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة. وما كنا نستطيع شيئًا وما كان أحد ليستطيع شيئًا لو لم يكن هذا الشعب. ولو لم تكن هذه الأمة، لقد كان الليل طويلًا وثقيلًا ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبدًا بطلوع الفجر. وإني لأقول بغير ادعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطًا. وإنما كانت كبوة عارضة، وأن حركتها لم تكن فورانًا وإنما كانت ارتفاعًا شاهقًا. لقد أعطى شعبنا جهدًا غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددة. وأظهر شعبنا وعيًا غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعى، فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة، ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسئوليتي وقبلت راضيًا بما شاء الله أن يضعه على كاهلي، كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة، وإذا كانت القاعدة سليمة فإن كل ما ضاع يمكن تعويضه، وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخرى، وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا، فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر هل القاعدة سليمة؟».
ويستمر السادات في توثيق اللحظة التاريخية بشهادة للمنتصرين وقال…«وإذا كنا نقول ذلك اعتزازًا وبعض الاعتزاز إيمان فإن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة، ثقتنا في قياداتها التي خططت، وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها على استيعاب هذا السلاح.. أقول باختصار إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح له درع وسيف».
لقد أثبت التاريخ اللاحق لخطاب السادات حقيقة المقولة التاريخية للرجل. بأن هذا الوطن له درع وسيف يحميه من أطماع الخارج ومحاولات تغيير هويته من الداخل.
اللهم احفظ بلدنا.. تحيا مصر.. ويحيا جيشها العظيم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا