تحت هذه الراية – إلهام المقاومة عند الزعيم لتحدي الفقر – تحدث الكاتب والشاعر والناقد والروائي مختار عيسي نائب رئيس اتحاد الكتاب ..فى الندوة الحاشدة التى أقيمت بملتقى الشربيني الثانى فى الذكري 52 لرحيل قائد ثورة 23 يوليو فى مصر جمال عبد الناصر.
كانت ليلة ثقافية بامتياز ..مبدعون وشعراء ونقاد وكتاب ومثقفون ..خمسون منهم أضاءوا تلك الليلة ..انصتوا لمحمود قرنى وصلاح السروي ومختار عيسي والسيد ابراهيم ومحمد السيد اسماعيل ومحمد الشافعى . تقدم القاعة مبدعون كالروائي فتحى امبابي وعقيلته الاديبه منى العساسي والكتاب و الصحفيون نبيل عمر ومحمد هزاع وعادل السنهوري وياسين غلاب وخالد ابو الروس وإيهاب أصيل والسيد الخمار وأسامة وأمجد جلال ومحمد حلمي سعد .. وخبراء ومحللون اقتصاديون مثل ايهاب سمره وأحمد حسن النوبى وأساتذة جامعيون مثقفون ثقافة رفيعة مثل حنان غالى وهالة جودة وغيرهم.. قاعة هيئة خريجي الجامعات امتلأت عن أخرها .. أنصتت شعرا لشاعر من أبناء الملتقى محمد عبد العزيز وغنت مع اعلامى وصحفى سابق وفنان هو أحمد سمير .. وأنصتت لتقديم الكاتب الصحفى محمود الشربيني مؤسس ملتقى الشربيني الثقافى وهو يلقى كلمته ويدير فعاليات هذه الليلة المختلفة. التى يختم بها موسم الملتقى الثانى ليبدأ مع حلول أكتوبر 2022موسمه الثالث ..بفرعية شبين القناطر والقاهرة.
البداية لمختار عيسي:
مختار عيسى :هكذا ألهمني الزعيم عبد الناصر القدرة على تحدي فقري وبيتي المتهالك فى الحرة الضيقة كأنبوب مسدود من أحد طرفيه فى سوق اللبن بالمحلة .
فى بيتى بسلمه الخشبي المتهالك والخالي من المياه والكهرباء والصرف تشكلت قصائدي البصرية وأولى اللوحات الفنية في عينى طفلا .
وفى كلمته قال مختار : كواحدٍ ممن يدينون للرجل بالكثير فإني أستأذنكم في أن أوضح لكم كيف نشأ الفتى ، الذي كان لناصر العظيم دوره الأعظم في أن يتحدى كل عوامل الإحباط ، لأنه وجد في الزعيم صورة الولي الذي ربما كان يظهر له في ليالي السواد ليأخذه إلى هناك .. إلى حيث الإنسان صاحب الحق في الوجود والمشاركة في صنع حاضر وطنه ومستقبله، شأنه شأن من كانوا يظنون أن الوطن حكر عليهم وأنه لامكان للفقراء على خارطته إلا إن يكون عبيدا أو خدما.
أحكي لكم في سطور عن نشأتي لعل فيها ما يشير إلى الهوة التي أعبرنا إياها الزعيم بانحيازه اللامحدود للفقراء وكيف كان الأنموذج الذي تمثلته متحديا كل ظروف القهر الاجتماعي والفكري
في حارة صغيرة في منطقة «سوق اللبن» بالمحلة الكبرى، حارة ضيقة، كأنبوب مسدود من أحد طرفيه، وبيت لا يطاول سلك الكهرباء الذي يمر أمامه دون أن يكون لسكانه نصيب من طاقته، وحيث لا صرف صحيًا، ولا ماء يتدفق من صنبور نحاسى كالذي في بيوت الرفاق ..
سلم خشبى متهالك، وجدران على حالتها من البناء، بطوبها الأحمر وكتل الإسمنت التي تملأ الفراغات بين القوالب بعشوائية، وسقف خشبى، بعروقه الممتدة بمساميره الناتئة، في كل ذلك وبه تشكلت أولى اللوحات الفنية في عين الطفل وهو يتفنن كل ليلة متأملاً نقوش العرق المتساقط من جبين سقف حان على جدران واطئة، يرسم جيرها المتساقط تشاكيل لا نهائية من الموجودات الافتراضية، وعلى إيقاع مراوغ من لهيب شريط لمبة الجاز، أدرك الفتى فيما بعد حقيقة العالم الكبير «رورشاخ»، واختباره النفسي «بقع الحبر» وكيف يعكس ما بداخل الإنسان، حين يسقطه على الموجودات، فيراها حسب أحلامه وإحباطاته، وكانت هذه النظرات هي أولى القصائد البصرية التي شكلها الشاعر، والتي لا يزال لها تأثيرها في صوره الشعرية التي لا تكاد تمسك بها إلا لتفلت بين يديك مشكلة صورًا أخرى في تداخلات موجية ودوامية كهالات الضوء المتداخلة أو كدخان يقتحم دخانًا»
عامل أو أجير ..هذا ماكان ينتظرنى!
من دون إلهامه لى كان ماينتظرني هو البقاء عاملا فى ورشة أو أجيرًا فى حقل لا أجدت قوت يومي.
الزعيم الذي ألهم كل قوى التحرر فى العالم الباهظ بكونه سليل الأمراء والباشوات بل بكونه إبن ساعى بريد ..لقد الهمتني كلماته ارفع رأسك فقد مضى عهد الاستعباد.
ما كان ينتظر الفتى إلا أن يظل أجيرا ، عاملا في حقل ، أو ورشة صغيرة ليجد قوت يومه الشحيح ، لكن كيف وقد رأى الفتى أن رئيس الدولة ، الزعيم الذي ألهم كل قوى التحرر في العالم لايباهي بكونه سليل الأمراء والباشوات بل بكونه ابن موظف صغير في البريد ، هنا كان على الفتى أن يدرك أنه الولي الذي يطل من بين الرسوم المتخيلة على حائط الجير المتساقط صارخا فيه: انهض وارفع رأسك فقد مضى عهد الاستعباد
إن ماحققه الفتى اليوم ووجوده في مناصب ثقافية وإعلامية ونقابية رفيعة لم يكن إلا واحدة من ثمار التحدي الذي لقنه إياه الزعيم الذي خاطبه برسالتين متتاليتين وهو في المرحلة الابتدائية معبرا له عن أمله أن يحقق مايصبو إليه وأن يشارك في صنع مستقبل وطنه الذي ينتظره وكل أبناء الأمة.
ياه ياجمال ..لقد نفخت فى روحي برسالتيك اللتين أرسلتهما لى وانا فى الابتدائية تحثني على المشاركة فى صنع مستقبل وطني .
ياه ياجمال . أتقول لي هذا وأنا التلميذ الذي بالكاد يعرف كتابة بعض الجمل ؟ أتنفخ في تلك الروح التي أوقفتني في كل موقف لا أرهب غير الله ولا أنحاز إلا لحق وألا يرهبني فقر أو يغريني أصحاب الثراوات الذين كانوا وكان أبناءهم يتباهون بها وبقصورهم بينما أنا الفقر الذي يعيش في منزل كجحر فأر ؟
أراك رغم رحيلك قادرا على أن تعيد إلى قدرتي على التحدي والصمود فقك كنت المثال الأسمى لهما ، رأيتك صامدا أمام الغرب وأمام الفقر وأمام الخونة في الداخل والخارج ورأيتك تبني المصانع والمدارس وتحفظ لي ولكل الفقراء حقهم في التعليم الذي يجعلونه الآن سيدي القائد العظيم مستحيلا في خيانة واضحة للدستور ، أقولها بملء فمي هم يخونون الدستور ومحاكماتهم واجبة .
أنت من كان يعرف قدر مصر وقدر شعبها لذا كنت ملهما لزعماء التحرر في العالم ، ولاتزال قادرا على بعث طاقات التحدي والصمود ولا أزال أباهي بأن لي أبا اسمه عبد الناصر أشعرني ذات يوم بأني وهو سواء فكلانا ننتمي إلى الفقراء ، لافرق بين والد نجار بسيط ووالد يعمل موظفا في البريد لذا فأنا مدين لك بأنني حتى الآن وقد أصبح لي اسمي وعملي وجهدي فى الدفاع عن وطني .
لاأزال أباهي بأن لي أبا اسمه عبد الناصر أشعرني ذات يوم بأني وهو سواء فكلانا ننتمي إلى الفقراء ، لافرق بين والد نجار بسيط ووالد يعمل موظفا في البريد.
أنا مدين لك بما أصبحت عليه الآن ..فبدعمك والهامك أصبح لي اسمي وعملي وجهدي فى الدفاع عن وطني ..
مازلت أحلم بعودتك
لا أزال أحلم بعودتك ، ليس جسدا فهذه سنة الوجود، لكن بمشروعك وفكرك الذي من حقي أن أفتن به ، ولا أدعي أنني واحد من دراويشك ،لكني أؤمن إيمانا مطلقا بأنك من يعرف الطريق ويملك من طاقات التحدي ما ينقذ مصر مماهي فيه وإلى أولئك الذي لاهم لهم إلا الهجوم عليك أقول اسألوا أنفسكم بصدق إن كنتم تعرفون كيف أصبحت مصر بعد رحيل ناصر وكيف هو حال الوطن الكبير ؟

هنا نص قصيدة مختار عيسي
السيد إبراهيم : الشاعر فؤاد قاعود أجمل في قصيدته “الشعب” كل مشاعر مدن القناة المقاومة.
//لما رجع جيش البلد م الحرب/ ميل على صدر السويس ضمته/ طلعوا الرجال والنسوة والأطفال/ واتفتحت كل البيوت في الحال// وفى الشدايد كل القلوب تشتد
صدق المقاومة عند الزعيم
وألقى الناقد الكبير الدكتور السيد ابراهيم دراسة مهمة عنوانها:
صدق المقاومة عند عبد الناصر.. مدن القناة أنموذجا… قال فيها : على الرغم من استقبال شعب السويس للقوات المسلحة المصرية المتجهة لدحر العدو الصهيوني في سيناء في الخامس من يونيه 1967م، وكلهم أمل ممزوج باليقين في انتصارهم، إلا أن هذه القوات قد خيبت آمالهم حين أقفلت منهزمة في الثامن من نفس الشهر، وقد تعاملت السويس المدينة والشعب معهم بكل الحنو وتقديم يد العون، ويجمل كل هذا الشاعر فؤاد قاعود في قصيدته “الشعب” التي يقول فيها: لما رجع جيش البلد م الحرب/ ميل على صدر السويس ضمته/ طلعوا الرجال والنسوة والأطفال/ واتفتحت كل البيوت في الحال/ وفي الشدايد القلوب تشتد/ ولا صاحب المطعم رِضي ياخد فلوس من حد/ وصاحب الكانتين/ لجل الشرف والدين/ بَحْتَر سجايره وَهْبَة للتدخين/ بقلب راضي والدموع سايلة/ وقال لهم: الهمة يا رجاله/ وكل شدة تهون/ وكل شعب يكون على دا الحالة/ النصر له مضمون.
لقد عرفت السويس المقاومة منذ زمن بعيد، وقريب قبيل قيام ثورة يوليو 1952 بعلم واحد في كفر أحمد عبده، ولهذا لم يكن غريبا أن تتعامل مع النكسة حين تلقى ابناءها من رجال المقاومة الشعبية تدريباتهم المتقدمة مع الجيش فى أوائل شهر يوليو من عام 67 وتصدوا يوم 14 لأول محاولة يهودية لزرع علم دولتهم فى نصف مجري القناه للسيطرة عليه والتى انتهت بأسر بعض جنودهم . .
اهل السويس الذين غادروا دروب مدينتهم على مضض واقاموا فى المنافى لم يثوروا على ناصر أو يلومونه او حتى يطلبون له الموت أو يطالبونه بالرحيل
وودع أهل السويس دروب مدينتهم على مضض نحو المنافي في محافظات مصر المختلفة، وتحت ظروف صعبة ومغايرة لما كانوا عليه من حياة كريمة، غير أنهم وأهل البلاد الذين استقبلوهم لم يثوروا على زعيمهم جمال عبد الناصر، أو يلوموه، أو يطلبون له الموت، أو يطالبونه بالرحيل، بل تمسكوا به وأجبروه العوده عن التنحي الذي أعلنه في التاسع من يونيه، وعدل عنه في اليوم التالي، إيمانا منهم بأن الأمل باقٍ ببقائه.. لعلمهم بمدى نقائه.. وثباته.. وعناده .. وإصراره على مواصلة المقاومة حتى النصر، ليقينهم في صدق مقاومته مثل كل المصريين.
المصريون من أبناء مدن القناة رفضوا تنحى عبد الناصر وأجبروه على العوده عنه إيمانا منهم بأن الأمل باقٍ ببقائه
شعر المقاومة مستلهم من عبد الناصر
وأكد الدكتور إبراهيم أن الفن لعب دورا كبيرا مع ميلاد الفرقة التي أسسها شاعر المقاومة الكابتن غزالي في أواخر عام 1967م، وقد استلهموا بعض من أغانيهم من كلمات الزعيم جمال عبد الناصر في خطبه التي بدأت مع أغنية “أنت المسئول” التي جاءت في افتتاح دور الانعقاد الخامس لمجلس الأمة، وأغنية “المعركة” عندما رفع الزعيم شعار: (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، ولما أعلن في بيان مارس 1968م: (إن الحق بغير القوة ضائع) و(أن ما أُخِذَ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة) خرجت أغنية تردد نفس المعاني، ليخرج هذا الفن المقاوم إلى قلوب المصريين بل العرب، تماما مثلما خرج الفن البورسعيدي المقاوم مع الفدائيين فى ٥٦من خيمة الريس محمد يوسف في كلمات تتغنى بتأميم قناة السويس: في بورسعيد الوطنية/ شباب مقاومة شعبية/ دافعوا بشهامة ورجولية/ وحاربوا جيش الاحتلال/ مبروك يا جمال.
فرق المقاومة .. ولاد الأرض ..ولا البحر ..الصامدين
ظاهرة سخونة المقاومة بالسلاح وبالنغم معا في مناطق القنال إنما تمثل العينة الجامعة لروح المقاومة المصرية
ومثلما بدأت فرقة “ولاد الأرض” في السويس تلتها في عام 1968 فرقة “الصامدين” بالإسماعيلية، ثم تلتها بعام فرقة “ولاد البحر” في بورسعيد، وأخيرا فرقة “شباب المهجر” بمنطقة رأس البر، وغني عن القول أن ظاهرة سخونة المقاومة بالسلاح وبالنغم معا في مناطق القنال إنما تمثل العينة الجامعة لروح المقاومة المصرية العامة، وذلك لأن مدن القناة الثلاثة كلها تعتبر جديدة النشأة، وأن السكان الأوائل الذين عمَّروا هذه المدن كانوا من جميع مديريات القطر المصري، كما يقول المؤرخ الموسيقي فرج العنتري، تأكيدا لاستلهام كل مصري المقاومة من الذي فجَّر كوامنها فيهم واستنهضها من سباتها الزعيم الحاضر بمبادئه وصدق وسخونة مقاومته حتى تاريخه جمال عبد الناصر .
الدكتور محمد السيد اسماعيل:
قضية فلسطين محورية فى فكر عبد الناصر والروائيون تجاوبوا معها مثل محفوظ فى ” الحب تحت المطر ” و” الكرنك ” والسباعى فى ” طريق العودة ” و” ابتسامة على شفتيه “.
سلماوى فى ” الخرز الملون ” ورضوى عاشور فى رواية ” الطنطورية ” وفتحى غانم وبهاء طاهر قدموا أعمالًا مهمه عن الكفاح الفلسطيني.
قدم المبدع والناقد الدكتور محمد السيد اسماعيل رؤية مختلفة لموضوع الندوة وقال :واجه المشروع الناصرى ما كان مخططا للعالم العربى من أن يكون تابعا للدول الاستعمارية فحقق اولا قضية الجلاء وتحرير مصر من الانجليز كما ساعد الجزائريين فى تحريرهم من فرنسا والعديد من الدول الافريقية ووقف ضد حلف بغداد وكانت قضية فلسطين محورية فى فكر عبد الناصر وقد تجاوب مها العديد من الروائيين مثل نجيب محفوظ فى ” الحب تحت المطر ” و” الكرنك ” وغيرهما وكذلك يوسف السباعى فى ” طريق العودة ” و” ابتسامة على شفتيه ” التى استعرض فيها جوانب القضية الفلسطينية ومحمد سلماوى فى ” الخرز الملون ” ورضوى عاشور زوجة الشاعر الفلسطينى مريد البرغوثى فى رواية ” الطنطورية ” التى استعرضت فيها النضال الفلسطينى من خلال شخصية رقية الطنطورية وعائلتها فى قرية طنطور جنوب حيفا التى شهدت مذبحة مروعة وفتحى غانم فى ” احمد وداود ” وبهاء طاهر فى رواية ” شرق النخيل ” وكذلك مجمل أعمال الروائية المصرية من أصل فلسطينى بشرى أبو شرار التى كانت كل رواياتها حنينا لوطنها المسلوب.
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية