تعلمنا في الكلية أن المدير هو الشخص الذي يُمارس وظائف إدارية في المقام الأول، ويتمتع بسلطة اتخاذ القرارات وتحديد المهام والوجبات.
يعني المفهوم الأشمل للمدير هو سير العملية الإدارية وتخطيطها وتنظيمها، فضلًا عن المتابعة والرقابة، ليس هذا فحسب بل هناك من نظر إلى وظيفة المدير على أنها عملية اجتماعية لتنسيق جهود الموظفين ورسم السياسات والحفاظ على بيئة عمل صحية؛ لتحقيق أهداف وخطط المنظمة.
إذًا القصة «مش» مجرد وظيفة ومنصب إداري للقيام بالعمليات الإدارية فقط، بل إن المدير لديه القدرة على التغيير والتحكم في الإدراك المادي والمعنوي للموظفين، والتأثير إيجابًا أو سلبًا على أدائهم.
المديرون هم المفتاح الأساسي في تحسن نتائج أداء الأعمال وجودة حياة العمل للعاملين أو معاناتهم، ولا شك في أن المدير يترك بصماته واضحة ومؤثرة على سلوكيات الموظفين، من خلال مُمارسته العملية الإدارية، فالموظفون يتأثرون بأسلوب المدير الإشرافي وطريقته باتخاذ القرارات، كما يتأثرون أيضًا بمنهجه في التقويم والتحفيز، ومن ثم فإن المدير يؤدي دور كبير في نمو الموظف الوظيفي أو تأخره وتركه العمل، وهذا يتفق مع المقولة الإدارية «الموظف يترك المدير ولا يترك الوظيفة».
وقد نُشرت دراسة في عام 2019، أجرتها إحدى الشركة في مجال الموارد البشرية، قامت باستطلاع آراء 1000 موظف من شركات مُختلفة المجالات، وطرحت أمامهم عدة اختيارات حول أداء وسلوكيات المديرين، والتي تؤدي غالبًا إلى شعور الموظفين بالمعاناة، هذه المعاناة التي تمتد ليصبح من المستحيل تحملها، وتقود الكثير منهم إلى ترك وظائفهم رغم ما تحمله من استقرار اجتماعي، والبحث عن وظيفة أخرى هربًا من جحيم المُدير المُشرف عليهم.
وقد أولت الدراسة تركيزًا خَاصًا على عشر سلوكيات يحتمل أن تكون سلوكيات سيئة يرتكبها المديرون في بيئات الأعمال، والتي تجعلهم شخصيات لا تُحتمل بالنسبة للموظفين بغض النظر عن مجال العمل وحجم المنظمة، وهذه السلوكيات هي التي تتسبب في معاناة الموظفين أكثر من غيرها.
وجاءت في مُقدمة السلوكيات السيئة للمديرين، هو استيلاء المديرين على نتائج أعمال موظفيهم وتقديمها للجهات العليا باعتبارها أعمالهم هم، يليه في السلوكيات السيئة للمديرين عدم ثقة المدير في أداء الموظف لمهام عمله، مما يؤثر على ثقته في إنجاز المهام الموكلة إليه.
وجاءت في المرتبة الثالثة لأسوأ سلوكيات المديرين المدير الذي لا يهتم بقيام الموظف بمزيد من الجهد في العمل، أو لا يعتبر أنه قد بذل جهدًا إِضافيًا، مما يثير استياء الموظفين بشكل كبير، وفي المرتبة الرابعة يأتي السلوك السيئ للمدير في عدم تقديم التحفيز المادي أو المعنوي للموظفين، أما المرتبة الخامسة من السلوكيات التي تُثير استياء الموظفين فهي القرارات الخاطئة للمدير في مكافأة أو ترقية موظف لا يعمل بشكل كافٍ مقابل موظفين أكفاء.
ومن المرتبة السادسة إلى العاشرة في وصف السلوكيات السيئة للمديرين تراوحت السلوكيات السيئة للمديرين ما بين المدير الذي لا يقف بجانب الموظف في حالة حدوث مشكلة في العمل، مرورًا بالمدير الذي يتدخل في كافة تفاصيل العمل بشكل لا يعطي الحرية للموظف، والمدير الذي يُركز دائمًا على الأخطاء ويتجاهل إبداعات الموظفين، والمدير الذي لا يضع خطة واضحة لنظام العمل واستقراره.
وخَلَصت الدراسة بنتيجة أن نسبة 44% من الموظفين يتركون وظائفهم بسبب المدير حتى لو كانت هذه الوظيفة تضمن لهم مزايا مادية واجتماعية.
الموظفون يستحقون أن يعاملوا باحترام، ويعتني بهم ويقودهم الرؤساء الذين يعاملونهم بإنصاف؛ وبالمثل، يستحق المديرون معرفة الأخطاء التي يرتكبونها حتى يتمكنوا من التعلم والتحسين، فنجاح العمل أصبح مرتبطًا بعوامل يتكامل فيها دور المديرين والموظفين معًا، باعتبار المدير في قمة الهرم الإداري والموظفين باعتبارهم أهم موارد المنظمة، وهذا يستدعي في الوقت نفسه ضرورة وجود توافق بين استراتيجيات الموارد البشرية وباقي الاستراتيجيات الخاصة بالمنظمة.
وعليه، لابد للمديرين تبني رؤية وأهداف واضحة ومحددة؛ لبناء شبكة من المسارات التي تؤدي إلى الوصول لتحقيق جودة حياة العمل هذه الفلسفة الإدارية يمكن تعلمه وغرسه كأسلوب وثقافة عمل تجعل الموظفين جزءًا من المنظمة التي يعملون فيها.
كاتبة وباحثة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية