عندما ظهر مفهوم المجتمع المدني في القرن السابع عشر، وفي إطار المنظومة الفكرية الحديثة، كان يرادف مفهوم الدولة باعتباره « آلة اصطناعية، ساعة كبيرة تتجه نحو ضبط سلوك الأفراد وحماية أمنهم وسلامتهم وما يملكون» حسب تعبير هوبز. السياسة الحديثة هي سياسة مدنية. ومن هذه السياسة المدنية ــ عكس الدينية والعرفية ــ تتطور جميع المفاهيم الحديثة الأخرى مثل: المواطنية والديمقراطية والدولة القانونية.
لذلك؛ في الديمقراطيات الحديثة لم يعد المجتمع المدني والأهلي مؤسسات للعمل الخيري فقط؛ هناك اعتراف متزايد بين العديد من الحكومات بأن العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والحكومات أصبحت أكثر أهمية، خاصة في المجالات غير التقليدية التي لا تتمحور بشكل رئيسي حول الدولة والأجهزة الحكومية. من أبرز تلك المجالات تعزيز القدرات، ودعم الوعي والمدركات. بناء المواطنة النشطة، وتحفيز المشاركة المدنية على المستوى المحلي.
ديناميكية الحركة لمنظمات المجتمع المدني جعلت له فاعلية كبيرة أيضاً فيما يتعلق بنشر الوعي، دعم وتصحيح المدركات من خلال الفاعليات المركزية والقاعدية المحلية التي ينظمها المجتمع المدني. وما أشد احتياجنا لهذا الدور في سياق معركة الوعي وخلخلة ثوابت الهوية الوطنية المصرية، وهي أبرز مهددات الأمن القومي المصري منذ انطلاق ما أطلق عليه “الربيع العربي”؛ حيث واجهنا أكبر محاولة لتزييف الوعي العربي والمصري، من خلال محاولات التشويش والتأثير، والتحكم في وعي الشعوب على النحو الذي يخالف توجهات وأهداف الدولة الوطنية.
التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي وهو الوعاء الذي يضم أبرز المنظمات المجتمعية غير الحكومية وغير الربحية والتي تقدم جملة من الأنشطة التطوعية الحرة، عمل على التحرك بفاعلية كبيرة فيما يتعلق بتعزيز القدرات، من خلال تنظيم الفعاليات التي تساعد على التطور الثقافي والعلمي والأخلاقي وترسيخ مبادئ التنمية المجتمعية، وتعزيـز النهـج التشـاركي. لذلك؛ أطلق التحالف أكبر منصة وحملة تدريبية لمتطوعي كياناته بهدف رفع قدرات وامكانيات الشباب المستهدف والمتطوعين في كيانات التحالف الذين يزيد عددهم على الـ ٢٥١ ألف شاب وفتاة. فكانت الموجة الأولى من التدريب في القاهرة والإسكندرية، من خلال متطوعين ممثلين لكيانات التحالف ومنهم: مجلس الشباب المصري، جمعية رسالة، ومؤسسة صناع الحياة، وكيان شباب مصر. ثم التدريب غير النمطي من خلال التفاعل بالأنشطة في محافظة الفيوم.
ومن القاهرة والإسكندرية إلى البحيرة، في إطار معركة التثقيف والوعي، ومن خلال مجلس الشباب المصري عضو التحالف، تم تدشين منتدى نشر ثقافة حقوق الإنسان بالدلتا « النسخة الأولى» بمحافظة البحيرة، وذلك في إطار المحور الرابع من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الخاص بالتثقيف وبناء القدرات. واليوم السبت في محافظة أسوان زهرة الجنوب المصري، يقيم المجلس تحت مظلة التحالف النسخة الثانية من المنتدى تحت عنوان «منتدى نشر ثقافة حقوق الانسان بجنوب الصعيد – معا نحو تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان». وكلها جهود محمودة لتطوير المجتمع وتعزيز الانتماء تستحق منا كل الدعم.
إن العدالة الثقافية تعني إتاحة الثقافة لكل أفراد المجتمع دون تمييز، ما بين المركز والأطراف، وهي الإشكالية المصرية التاريخية التي تعاطت معها الجمهورية الجديدة بفكر جديد وآليات مختلفة. من أبرز تلك الآليات المجتمع المدني ومؤسساته. لذلك؛ فالحاجة ماسة لحشد وتعبئة قوى مجتمع مدني فاعل، يسهم في الحراك المجتمعي، والفكري والثقافي، بما يعين الدولة في بسط القضايا والمشكلات من خلال الحوار والنقاش، ويضمن حد أدنى من فهم المواطنين لطبيعة الأزمات والجهود المستمرة لمعالجتها بما يقلل الخوف وعدم اليقين، ويعزز النقد البنَّاء الذي يهدف إلى المصلحة العامة في المقام الأول.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية